للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي مَجْلِسٍ وَجَبَ الْحُكْمُ بِهَا إِذَا تَكَامَلَ عددها في مجلسين ووجب الحكم إِذَا تَكَامَلَ عَدَدُهَا فِي مَجَالِسَ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الشَّهَادَاتِ، وَلِأَنَّهُ زَمَانٌ لَا يُعْتَبَرُ فِي شَهَادَةِ غَيْرِ الزِّنَا فَوَجَبَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ في غير الزنا كالموالاة؛ ولأن شهادة الحقوق نوعان: لله، وللآدميين وليست يُعْتَبَرُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا اجْتِمَاعُ الشُّهُودِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الزِّنَا مُلْحَقًا بِأَحَدِهِمَا، وَلِأَنَّ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ إِذَا تَقَدَّمَتْ لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهَا شَاهِدًا، أَوْ قَاذِفًا، فَإِنْ كَانَ شَاهِدًا لَمْ يَصِرْ قَاذِفًا بِتَأَخُّرِ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ قَاذِفًا لَمْ يَصِرْ شَاهِدًا بِشَهَادَةِ غَيْرِهِ، ولأنه ليس في تفرق الشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ تَبَاعُدِ مَا بين الزمانيين، وَهَذَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الشَّهَادَةِ، كَمَا لَوِ اسْتَدَامَ الْمَجْلِسُ فِي جَمِيعِ الْيَوْمِ فَشَهِدَ بَعْضُهُمْ فِي أَوَّلِهِ وَبَعْضُهُمْ فِي آخِرِهِ وَلِأَنَّ قَوْلَهُمْ يُفْضِي إِلَى رَدِّ الشَّهَادَةِ إِذَا تَفَرَّقَتْ فِي الزَّمَانِ الْقَصِيرِ، وَهُوَ إِذَا قَامَ الْحَاكِمُ مِنْ مَجْلِسِهِ بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ قَدْرَ الصَّلَاةِ وَإِلَى إِمْضَائِهَا إِذَا تَفَرَّقَتْ فِي الزَّمَانِ الطَّوِيلِ، وَهُوَ إِذَا استدام مجلسه في جَمِيعَ النَّهَارِ فَشَهِدَ بَعْضُهُمْ فِي صَبَاحِهِ وَشَهِدَ بَعْضُهُمْ فِي مَسَائِهِ، وَمَا أَفْضَى إِلَى هَذَا كَانَ اعْتِبَارُهُ مُطَّرَحًا، وَلِأَنَّ تَفَرُّقَ الشُّهُودِ أَنْفَى لِلرِّيبَةِ وَأَمْنَعُ مِنَ التَّوَاطُؤِ وَالْمُتَابَعَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِرَابَةَ بالشهود تقتضي تفريقاً ليختبر بالتفريق رتبتهم فكان افتراقهم أولى أن يعتبر مِنَ اجْتِمَاعِهِمْ.

فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّهُ فِي صُورَةِ القاذف وإن لم يكمل العدد: فهو أنه لَوْ كَانَ قَاذِفًا لَمَا جَازَ أَنْ يُكْمِلَ بِهِ الْعَدَدَ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْقَاذِفِ غَيْرَ مَقْبُولَةٍ، وما ادَّعَوْهُ مِنْ تَأْثِيرِ الْمَجْلِسِ فِي الْعُقُودِ فَلَيْسَ يصح؛ لِأَنَّ التَّأْثِيرَ فِيهَا يَكُونُ بِالتَّرَاخِي، وَإِنْ كَانَ المجلس واحداً والقبض بالصرف هو المعتبر بالمجلس وليس القبض قولاً فيعتبر بِهِ الشَّهَادَةُ.

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِتَفَرُّقِ الْأَدَاءِ فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ لَوْ تَفَرَّقَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَمْ يَتِمَّ فَكَذَلِكَ فِي مَجْلِسَيْنِ وَالْعَدَدُ لَوْ تَفَرَّقَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ تَمَّ فَكَذَلِكَ فِي مَجْلِسَيْنِ.

وَأَمَّا اعْتِبَارُهُمْ بِتَغْلِيظِ الْإِقْرَارِ مِنْ وَجْهَيْنِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَغَلَّظُ عِنْدَنَا بِالتَّكْرَارِ وَإِنْ تَغَلَّظَ عِنْدَهُمْ، ثُمَّ لَا يَسْتَوِيَانِ عَلَى قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ تَكْرَارَ الْإِقْرَارِ فِي مَجَالِسَ، فَإِنْ تَكَرَّرَ فِي مَجْلِسٍ لَمْ يَتِمَّ، وَيَعْتَبِرُونَ أعداد الشهادة في مجلس وإن كَانَ فِي مَجَالِسَ لَمْ يَتِمَّ، فَلَمْ يَسْلَمْ لَهُمْ مَعْنَى الْجَمْعِ فَبَطُلَ.

(فَصْلٌ)

وَتُسْمَعُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى قَدِيمِ الزِّنَا وَحَدِيثِهِ، وَيُحَدُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمْ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى قَدِيمِ الزِّنَا وَلَا يُحَدُّ.

وَقَالَ أَبُو يوسف: جهدت بأبي حنيفة أن يوقت للمتقدم وَقْتًا فَأَبَى.

وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: وَقَّتَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِسَنَةٍ، فَإِنْ شَهِدَ قَبْلَهَا قُبِلَ، وَإِنْ شَهِدَ بَعْدَهَا لَمْ يُقْبَلْ، احْتِجَاجًا بِرِوَايَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>