للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ امْرَأَةً اسْتُكْرِهَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَدَرَأَ الْحَدَّ عَنْهَا، وَحَدَّ الزَّانِي بِهَا.

فَأَمَّا المهر فمختلف في وجوبه فمذهب الشافعي أن عليه لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا مَهْرَ عَلَيْهِ؛ احْتِجَاجًا بِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْ مَهْرِ الْبَغِيِّ، رَوَاهُ بِالتَّسْكِينِ، وَالْبَغْيُ الزِّنَا، وهذا زنا.

قال: وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ وَجَبَ بِهِ الْحَدُّ عَلَى الْوَاطِئِ فوجب أن يسقط عنه المهر كالمطاوعة.

قال: وَلِأَنَّ الْحَدَّ يَجِبُ مَعَ انْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ وَالْمَهْرُ يَجِبُ مَعَ وُجُودِ الشُّبْهَةِ فَامْتَنَعَ اجْتِمَاعُهُمَا.

وَدَلِيلُنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَإِنْ مَسَّهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا) وَهَذَا مُسْتَحِلٌّ لِفَرْجِهَا فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ مَهْرُهَا.

فَإِنْ قِيلَ: إِنَّمَا لَزِمَهُ الْمَهْرُ في العقد الفاسد قيل: كلما ضمن بالبدل من العقد الفاسد ضمن بالغضب والإكراه كالأموال؛ لأنه وَطْءٌ فِي غَيْرِ مِلْكٍ، فَإِذَا سَقَطَ بِهِ الْحَدُّ عَنِ الْمَوْطُوءَةِ وَجَبَ بِهِ الْمَهْرُ عَلَى الْوَاطِئِ كَالْوَاطِئِ بِالشُّبْهَةِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ الْمَهْرُ لِلْمَوْطُوءَةِ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ كَانَ وُجُوبُهُ لِلْمُسْتَكْرَهَةِ أَوْلَى مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ مَعَ عِلْمِهَا عَاصِيَةٌ، وَالْمُسْتَكْرَهَةَ غَيْرُ عَاصِيَةٍ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ مُمَكِّنَةٌ، وَالْمُسْتَكْرِهَةَ غَيْرُ مُمَكِّنَةٍ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ نَهْيِهِ عَنْ " مَهْرِ الْبَغِيِّ) فَالرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ الْبَغِيُّ بالتشديد يعني الزانية، وليست هذه الزانية.

ولا دليل ايضاً لمن روى بالتخفيف يَعْنَى الزِّنَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَطْءَ زِنًا فِي حَقِّ مَنْ حُدَّ، وَلَيْسَ بِزِنَا فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُحَدَّ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمُطَاوَعَةِ فَالْمَعْنَى فِيهِ وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَيْهَا.

وَأَمَّا اسْتِحَالَةُ وُجُودِ الشُّبْهَةِ وَعَدَمِهَا فِي الْفِعْلِ الْوَاحِدِ فَهُوَ مستحيل في حق

<<  <  ج: ص:  >  >>