للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الزُّبَيْرَ شُفِّعَ فِي سَارِقٍ فَقِيلَ لَهُ: حَتَّى يبلغه الإمام فقال: إِذَا بَلَغَ الْإِمَامَ فَلَعَنَ اللَّهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفَّعَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

وَرُوِيَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ أُتَي بِلُصُوصٍ فَقَطَعَهُمْ حَتَّى بَقِيَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَقُدِّمَ لِيُقْطَعَ فَقَالَ:

(يَمِينِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أُعِيذُهَا ... بِعَفْوِكَ أَنْ تَلْقَى مَكَانًا يَشِينُهَا)

(يَدَيَّ كَانَتِ الْحَسْنَاءُ لو تم سبرها ... ولن تعدم الحسناء عاباً يَشِينُهَا)

(فَلَا خَيْرَ فِي الدُّنْيَا وَكَانَتْ حَبِيبَةً ... إِذَا مَا شِمَالِي فَارَقَتْهَا يَمِينُهَا)

فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: كَيْفَ أَصْنَعُ بِكَ، وَقَدْ قَطَعْتُ أَصْحَابَكَ، فَقَالَتْ أم السارق: يا أمير المؤمنين اجعلها من ذُنُوبِكَ الَّتِي تَتُوبُ مِنْهَا، فَخَلَّى سَبِيلَهُ فَكَانَ أول حد يترك فِي الْإِسْلَامِ.

(فَصْلٌ)

[شُرُوطُ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ] .

فإذا ثبت ما ذكرناه مِنْ قَطْعِ السَّارِقِ فَوُجُوبُهُ مُعْتَبَرٌ بِشَرْطَيْنِ: الْحِرْزُ، وَالْقَدْرُ، فَأَمَّا الْحِرْزُ فَيَأْتِي وَأَمَّا الْقَدْرُ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي اعْتِبَارِهِ فَذَهَبَ دَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيُّ وَالْخَوَارِجُ إِلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَأَنَّهُ يُقْطَعُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ.

وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ.

وَمِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالزُّهْرِيُّ؛ لِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] .

وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ) .

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى اعْتِبَارِ الْقَدْرِ فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى مَذَاهِبَ شَتَّى، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِرُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا يُقْطَعُ فِيهِ ولا يقطع فيما نقص منه، فَإِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ دَرَاهِمَ أَوْ مَتَاعًا قُوِّمَ بِالذَّهَبِ، وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ: يُقْطَعُ فِي دِرْهَمٍ وَاحِدٍ فَصَاعِدًا، لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَعْدُودٍ مِنْهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>