للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَبَلَ فَقَالَ: لَيْسَ فِي الْمَاشِيَةِ قَطْعٌ إِلَّا أن يأويها الْمُرَاحُ، وَلَا فِي الثَّمَرِ قَطْعٌ إِلَّا أَنْ يأويه الْجَرِينُ) وَفِي حَرِيسَةِ الْجَبَلِ تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَعْنِي مَحْرُوسَةَ الْجَبَلِ، فَعَبَّرَ عَنِ الْمَحْرُوسَةِ بِالْحَرِيسَةِ كَمَا يُقَالُ مَقْتُولَةٌ وَقَتِيلَةٌ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ سَرِقَةَ الجبل يقال: حرس إِذَا سَرَقَ فَيَكُونُ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ.

وَرَوَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا قَطْعَ إِلَّا مِنْ حِرْزٍ) وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى حِفْظِ مَالِهِ بِنَفْسِهِ أَبَدًا، فَأُقِيمَتِ الْأَحْرَازُ مَقَامَ الْأَنْفُسِ فِي الْحِفْظِ وَالصِّيَانَةِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَحْمَدَ مَا رَوَاهُ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَيْسَ عَلَى الْخَائِنِ وَلَا الْمُخْتَلِسِ وَلَا المنتسب قَطْعٌ) وَهَذَا نَصٌّ، وَلِأَنَّ السَّرِقَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْمُسَارَقَةِ وَهُوَ الِاسْتِخْفَاءُ، فَخَرَجَ مِنْهَا الْمُجَاهِرُ وَالْجَاحِدُ، فَأَمَّا الْآيَةُ فَمَخْصُوصَةُ الْعُمُومِ بِمَا ذَكَرْنَا.

وَأَمَّا خَبَرُ الْمَخْزُومِيَّةِ فَإِنَّمَا قَطَعَهَا؛ لِأَنَّهَا سَرَقَتْ.

وَقَوْلُهُمْ: كانت تستعير الحلي فتجحد ذُكِرَ عَلَى سَبِيلِ التَّعْرِيفِ، كَمَا قِيلَ مَخْزُومِيَّةٌ ولم يَكُنْ قَطْعُهَا بِجُحُودِ الْعَارِيَّةِ كَمَا لَمْ يَقْطَعْهَا لِأَنَّهَا مَخْزُومِيَّةٌ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْحِرْزَ شرط في قطع السرقة فالإحراز يختلف باختلاف المحرزات اعتباراً بالعرف؛ لأنها لما لم تتقدر بشرع ولا لغة اعتبر فِيهَا الْعُرْفُ، كَمَا اعْتُبِرَ الْعُرْفُ فِي الْقَبْضِ والافتراق في البيع والإحياء في الموات لما لم يتقدر بشرع ولا لغة تقدر بالعرف، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْعُرْفُ جَارٍ بِأَنَّ مَا قَلَّتَ قِيمَتُهُ مِنَ الْخَشَبِ وَالْحَطَبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>