للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ الْقَطْعُ كَوُجُوبِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَيْسَ لَهُ الرجوع بهتك الحرز بأن يرجع به قَوْلًا فَصَارَ الْحِرْزُ مَعَهُ بَاقِيًا فَبَطَلَ اسْتِدْلَالُهُ.

[(فصل)]

فإذا ثبت بما ذَكَرْنَا فَلَا يَخْلُو حَالُ الْمُعِيرِ عِنْدَ هَتْكِ الْحِرْزِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ الرُّجُوعُ فِي الْعَارِيَةِ قَوْلًا فَمَنَعَ الْمُسْتَعِيرُ مِنْ رَدِّهِ مَعَ الْمُكْنَةِ، فَلَا قَطْعَ عَلَى الْمُعِيرِ إِذَا نَقَبَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ مُتَصَرِّفٌ فِيهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَصَارَ كَالْغَاصِبِ.

والقسم الثاني: أن لا يقدم الرجوع فيه ولا يرد بِهَتْكِهِ الرُّجُوعَ فِيهِ، فَهَذَا يُقْطَعُ إِذَا سَرَقَ مِنْهُ، وَفِيهِ يَتَعَيَّنُ خِلَافُ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَالْقِسْمُ الثالث: أن لا يقدم الرجوع قَوْلًا وَيَنْوِي بِهَتْكِهِ الرُّجُوعَ فِيهِ، فَفِي قَطْعِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهَا شُبْهَةٌ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أبي هريرة: يقطع؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ إِلَّا بِالْقَوْلِ فَكَانَ ما عداه عدواناً منه.

[(فصل)]

وإذا اسْتَأْجَرَ بَيْتًا فَنَقَبَ الْمُؤَجِّرُ عَلَيْهِ وَسَرَقَ مِنْهُ قُطِعَ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يُقْطَعُ، لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَطْعِ مُعْتَبَرٌ بِهَتْكِ حِرْزٍ وَسَرِقَةِ مَالٍ، فَلَمَّا كَانَتِ الشَّرِكَةُ فِي الْمَالِ تَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ الْقَطْعِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِلْكُ الْحِرْزِ مَانِعًا مِنْ وُجُوبِ الْقَطْعِ، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَ مَنَافِعَ الْحِرْزِ بِالْإِجَارَةِ كَمَا مَلَكَهَا بِالشِّرَاءِ، فَاقْتَضَى أن ينتفي الشُّبْهَةُ فِي هَتْكِهِ، وَأَنْ يَجِبَ الْقَطْعُ فِي سَرِقَتِهِ، وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ مَا لَا يَمْلِكُهُ مِنْ دُخُولِ دَارِهِ إِذَا أَجَّرَهَا، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مِنْ بَعْضِ أهل الْمَسْجِدِ قُطِعَ، فَإِذَا سَرَقَ مِمَّا أَجَّرَ فَأَوْلَى أَنْ يُقْطَعَ.

(فَصْلٌ)

وَإِذَا غَصَبَ بَيْتَا وَأَحْرَزَ فِيهِ مَتَاعًا فَسَرَقَ مِنْهُ لَمْ يُقْطَعْ، سَوَاءٌ سَرَقَ مِنْهُ مَالِكُ الْحِرْزِ أَوْ غَيْرُهُ، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ إِحْرَازِ مَالِهِ فِي الْغَصْبِ فَصَارَ كَغَيْرِ الْمُحْرِزِ فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ قَطْعٌ، وَكَذَلِكَ لَوِ ارْتَهَنَ دَارًا فَأَحْرَزَ فِيهَا مَتَاعًا لَمْ يُقْطَعْ سَارِقُهُ، سَوَاءٌ سَرَقَهُ الرَّاهِنُ أَوْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ دُونَ الْمُرْتَهِنِ فَصَارَ كالغاصب.

[(فصل)]

وإذا سَرَقَ ثِيَابًا مِنْ حَمَّامٍ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الثِّيَابِ خَلَعَهَا وَأَلْقَاهَا فِي الْحَمَّامِ وَلَمْ يُودِعْهَا حَافِظًا فَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِهَا؛ لِأَنَّهَا فِي غَيْرِ حِرْزٍ وَيَضْمَنُهَا.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يُودِعَهَا عِنْدَ الْحَمَّامِيِّ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ مِنَ الْمُسْتَحْفَظِينَ، فَإِنْ غَفَلَ عَنْ حِفْظِهَا حَتَّى سُرِقَتْ فَالضَّمَانُ عَلَى مَنْ فَرَّطَ فِي الْحِفْظِ، وَلَا قَطْعَ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>