للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(فصل)]

[حكم السرقة في المجاعة والقحط]

وَإِذَا سَرَقَ السَّارِقُ فِي عَامِ الْمَجَاعَةِ وَالْقحْطِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ لِغَلَاءِ السِّعْرِ مَعَ وُجُودِ الْأَقْوَاتِ، فَالْقَطْعُ وَاجِبٌ عَلَى السَّارِقِ، وَلَا تَكُونُ زِيَادَةُ الْأَسْعَارِ مُبِيحَةً لِلسَّرِقَةِ وَلَا مُسْقِطَةً لِلْقَطْعِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لِتَعَذُّرِ الْأَقْوَاتِ وَعَدَمِهَا، فَإِنْ سَرَقَ مَا لَيْسَ بِقُوتٍ قُطِعَ، وَإِنْ سَرَقَ قُوتًا لَا يَقْدِرُ عَلَى مثله لَمْ يُقْطَعْ، وَكَانَتِ الضَّرُورَةُ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْقَطْعِ كَمَا كَانَتْ شُبْهَةً فِي اسْتِبَاحَةِ الْأَخْذِ، روي عن ابن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: " لَا قَطْعَ فِي عَامِ المجاعة ولا قطع في عام سنة) .

روي عن مروان بن الحكم أنه أتى سارق سَرَقَ فِي عَامِ الْمَجَاعَةِ فَلَمْ يَقْطَعْهُ، وَقَالَ: أراه مضطراً، فلم ينكر ذلك منه أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَعُلَمَاءِ الْعَصْرِ.

[حُكْمُ نَبَّاشِ القبور]

[(مسألة)]

قال الشافعي: " وَيُقْطَعُ النَّبَّاشُ إِذَا أَخْرَجَ الْكَفَنَ مِنْ جَمِيعِ الْقَبْرِ لِأَنَّ هَذَا حِرْزُ مِثْلِهِ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: النَّبَّاشُ هُوَ الَّذِي يَنْبُشُ الْقُبُورَ وَيَسْرِقُ أَكْفَانَ مَوْتَاهَا، اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي قَطْعِهِ فَذَهَبَ الشافعي إِلَى وُجُوبِ قَطْعِهِ.

وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَعَائِشَةُ.

وَمِنَ التَّابِعِينَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ.

وَمِنَ الْفُقَهَاءِ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ: لَا يُقْطَعُ.

وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ؛ اسْتِدْلَالًا بِرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ نَبَّاشًا رُفِعَ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَعَزَّرَهُ وَلَمْ يَقْطَعْهُ، وَفِي الْمَدِينَةِ بَقِيَّةُ الصَّحَابَةِ وَعُلَمَاءُ التَّابِعِينَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَلِأَنَّ أَطْرَافَ الْمَيِّتِ أَغْلَظُ حُرْمَةً مِنْ كَفَنِهِ، فَلَمَّا سَقَطَ ضَمَانُ أَطْرَافِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَسْقُطَ الْقَطْعُ فِي أَكْفَانِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مِنَ الْقَبْرِ غَيْرَ الْكَفَنِ لَمْ يُقْطَعْ، فَكَذَلِكَ إِذَا سَرَقَ الْكَفَنَ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ حِرْزًا لشيء كان حرزاً لأمثاله، وليس القبر حرز لِمِثْلِ الْكَفَنِ، فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ حِرْزًا لِلْكَفَنِ، وَلِأَنَّ الْكَفَنَ مُعَرَّضٌ لِلْبِلَى وَالتَّلَفِ فَخَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْمَحْفُوظِ الْمُسْتَبْقَى فَسَقَطَ عَنْهُ الْقَطْعُ الْمُخْتَصُّ بما يحفظ

<<  <  ج: ص:  >  >>