للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ قُتِلَ وَصُلِبَ، وَمَنْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذِ الْمَالَ قُتِلَ، وَمَنْ أَخَذَ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خِلَافٍ، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمُسْنَدِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؛ لِأَنَّ مَا نَزَلْ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لا يعلم إلا منه، وقد روي عن الشَّافِعِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ إِذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ قُتِّلُوا وَصُلِّبُوا، وَإِذَا قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ قُتِّلُوا وَلَمْ يُصَلَّبُوا، وَإِذَا أَخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا قُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ، وَنَفْيُهُمْ إِذَا هربوا أن يطلبوا حتى يوجدوا فيقام عليهم الحد ولم يروا عنه نزول جبريل وَهُوَ حُجَّةٌ أَيْضًا، لِأَنَّهُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ لَمْ يَظْهَرْ خِلَافُهُ فَكَانَ حُجَّةً وَابْنُ عَبَّاسٍ تُرْجُمَانُ التَّنْزِيلِ، وَحَبْرُ التَّأْوِيلِ، وَلِأَنَّ مَا أَمَرَ اللَّهُ تعالى بِهِ مِنَ الصَّلْبِ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:

إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْقَتْلِ وَحْدَهُ وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِوِفَاقِهِ.

أَوْ يَكُونَ لِأَخْذِ الْمَالِ وَحْدَهُ، وهو مدفوع بوفاقه.

أو يكون بهما جَمِيعًا وَهُوَ مُسَلَّمٌ بِوِفَاقِهِ، وَإِذَا كَانَ مُسْتَحَقًّا فِيهِمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مُخَيَّرًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: مَا دَلَّلْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُقُوطِ التَّخْيِيرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ حَدٌّ وَاحِدٌ وَالتَّخْيِيرُ فِيهِ يُخْرِجُهُ عَنِ الحدود الواجبة.

فأما الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِ بِأَنَّ اجْتِمَاعَ الْحُدُودِ الْمُخْتَلِفَةِ لَا يُوجِبُ تَدَاخُلَهَا فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَقُولُ فِي الزَّانِي الثَّيِّبِ إِذَا سَرَقَ رُجِمَ وَلَمْ يُقْطَعْ، فَبَطَلَ بِهِ اسْتِدْلَالُهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ مَا لَا يَتَدَاخَلُ لَا يَكُونُ فِيهِ تَخْيِيرٌ، وقد أثبت التخيير ها هنا فَبَطَلَ بِهِ اسْتِدْلَالُهُ.

(فَصْلٌ)

فَأَمَّا النَّفْيُ الْمُرَادُ بقول تعالى: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: ٣٣] فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ:

أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، أَنَّ نَفْيَهُمْ إِبْعَادُهُمْ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ إِلَى بِلَادِ الشِّرْكِ.

وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ إِخْرَاجُهُمْ مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى أُخْرَى.

وَالثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ حَبْسُ مَنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ حَدٌّ.

وَالرَّابِعُ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّافِعِيِّ أنه طلبهم لإقامة الحدود عليهم فيبعدوا. وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ نَفْيَهُمْ هُوَ الحبس بأمرين:

<<  <  ج: ص:  >  >>