للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَالْغَنِيمَةِ الَّتِي يَشْتَرِكُ فِي اسْتِحْقَاقِهَا الْمُقَاتِلُ وَالْحَاضِرُ؛ لأنها ترغيب كذلك الحدود في المحاربة لأنها ترهيب، وَلِأَنَّ الْمُبَاشِرَ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَخْذِ إِلَّا بدفع الردء المكثر فصار الأخذ مضافاً إليه فَوَجَبَ أَنْ يُقَامَ الْحَدُّ عَلَيْهِمَا.

وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَعَبْدِ الله بن عامر بن ربيعة قال: كنا مع عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ مَحْصُورٌ فِي الدَّارِ فَسَمِعَ النَّاسَ فَتَغَيَّرَ لونه وقال: إنهم ليتواعدوني بالقتل، فقلنا يكفيهم الله يا أمير المؤمنين قال: وبم يَقْتُلُونِي وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: " لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثلاث: رجل كفر بعد إسلامه أو زنا بعد إحصانه أو قتل نفسا بِغَيْرِ نَفْسٍ) وَوَاللَّهِ مَا زَنَيْتُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ قَطُّ، وَلَا قَتَلْتُ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ، وَلَا أَحْبَبُتُ أَنَّ لِي بِدِينِي بَدَلًا منذ هداني الله له فَبِمَ يَقْتُلُونَنِي؟ .

وَرَوَى مَسْرُوقٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: " قام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَقَامِي هَذَا فَقَالَ: وَالَذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ الثَّيِّبُ الزَّانِي وَرَجُلٌ قَتَلَ فَأُقِيدَ وَالتَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ الْمُفَارِقُ لِلْإِسْلَامِ) .

فَدَلَّ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ على أن الردء لا يحل قبله؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إِحْدَى هَذِهِ الْخِصَالِ الثلاث.

وَمِنَ الْقِيَاسِ: أَنَّهُ حَدٌّ يَجِبُ بِارْتِكَابِ مَعْصِيَةٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَى الْمُعِينِ عَلَيْهَا كحد الزنا، والقذف، والسرقة، وَلِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: إِنَّ الرِّدْءَ لَا يُقْتَلُ إِذَا كَانَ الْمُبَاشِرُ امْرَأَةً فَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ رَجُلًا وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا: أَنَّ مَنْ لَمْ يُبَاشِرِ الْقَتْلَ وَالْأَخْذَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ حَدُّهُمَا كَالْمَرْأَةِ إِذَا بَاشَرَتْ، فَإِنْ قَالَ: الْمَرْأَةُ لَا يجري عليها حكم الحرابة.

قلنا: تجري عَلَيْهَا عِنْدَنَا حُكْمُ الْحِرَابَةِ، وَلِأَنَّ السَّبَبَ وَالْمُبَاشَرَةَ إذا اجتمعا وتعلق الضمان بالمباشرة سقط حُكْمُ السَّبَبِ كَالْمُمْسِكِ وَالذَّابِحِ وَحَافِرِ الْبِئْرِ وَالدَّافِعِ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الذَّابِحِ دُونَ الْمُمْسِكِ، وَعَلَى الدَّافِعِ فِي الْبِئْرِ دُونَ الْحَافِرِ، كَذَلِكَ اجْتِمَاعُ

الرِّدْءِ وَالْمُبَاشِرِ فِي الْحِرَابَةِ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ فَهُوَ أَنَّ الْقَتْلَ وَأَخْذَ الْمَالِ مُضْمَرَانِ فِيهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْ يَقْتُلُوا إِنْ قَتَلُوا فإن قيل: فيكون المضمر فيها أو قتل بعضهم لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ زِيَادَةُ إِضْمَارٍ لَا يَفْتَقِرُ إِلَيْهَا الْكَلَامُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ إِضْمَارَ مَا اتُّفِقَ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ إِضْمَارِ مَا اخْتُلِفَ فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>