للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما الجواب عن استدلاله بحديث عائشة رضي الله عنها فمن وجهين:

أحدهما: أنه رَاوِيِهِ إِبْرَاهِيمَ بْنَ طَهْمَانَ وَقَدْ حَكَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى: إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ قَالَ: لَا.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْقَتْلَ فِي الْحِرَابَةِ مُضْمَرٌ فِي الْخَبَرِ كَمَا كَانَ مُضْمَرًا فِي الآية.

وأما الجواب عن قياسهم على الْغَنِيمَةِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّا لَا نُسَلِّمُ لهم أن القتل والقطع يَجِبُ بِالْمُحَارَبَةِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقَتْلُ بِالْقَتْلِ وَيَجِبُ الْقَطْعُ بِأَخْذِ الْمَالِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا شَارَكَ فِي الْغَنِيمَةِ مَنْ لَمْ يَشْهَدِ الْوَقْعَةَ مِنْ أَهْلِ الْخُمُسِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يُشَارِكَ فِيهَا مَنْ شَهِدَهَا، وَالْحِرَابَةُ لَا يُشَارِكُ فِيهَا مَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا فَلَمْ يُشَارِكْ فِيهَا مَنْ لَمْ يُبَاشِرْهَا.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِتَأْثِيرِ النُّصْرَةِ والتكثير فهو فاسد بِالْمُمْسِكِ وَالذَّابِحِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنْ لَا حَدَّ عَلَى الرِّدْءِ الْمُكْثِرِ وَالْمُهِيبِ فَعَلَيْهِمُ التَّعْزِيرُ أَدَبًا وَحَبْسًا وَقَدْ جَمَعَ الشَّافِعِيُّ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَذَاهِبَ أَصْحَابِهِ فِيهِ.

(مَسْأَلَةٌ)

قال الشافعي: " وَمَنْ قَتَلَ وَجَرَحَ أُقِصَّ لِصَاحِبِ الْجَرْحِ ثُمَّ قطع لا يمنع حق الله حتى الآدميين في الجراح وغيرها) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا جَرَحَ الْمُحَارِبُ فِي الْحِرَابَةِ رَجُلًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {والجروح قصاص} [المائدة: ٤٥] وفي انحتامه كالقتل قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْأَشْهَرُ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ أَنَّهُ لَا يَنْحَتِمُ بِخِلَافِ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تعالى أغفل الْجِرَاحَ فِي آيَةِ الْحِرَابَةِ فَكَانَ بَاقِيًا عَلَى حُكْمِ أَصْلِهِ فِي غَيْرِ الْحِرَابَةِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمَجْرُوحُ بِالْخِيَارِ فِي الْقِصَاصِ، أَوْ أَخْذِ الدِّيَةِ أَوِ الْعَفْوِ عَنْهَا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْقِصَاصَ فِي الْجِرَاحِ مُنْحَتِمٌ كَانْحِتَامِهِ فِي الْقَتْلِ؛ لأنها وجميع الْأَطْرَافِ تَابِعَةٌ لِلنَّفْسِ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَسُقُوطِهِ فَكَانَتْ تَابِعَةً لَهَا فِي انْحِتَامِهِ فَعَلَى هَذَا يستوفيه الإمام حتما ولا تخيير فيه للمجروح.

(فَصْلٌ)

فَإِنْ قَتَلَ الْمُحَارِبُ وَجَرَحَ كَانَ مَأْخُوذًا بِهِمَا فَيُجْمَعُ عَلَيْهِ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْجَرْحِ وَيَكُونُ الْقَتْلُ مُنْحَتِمًا.

وَفِي انْحِتَامِ الْجِرَاحِ قَوْلَانِ: وَلَا تدخل الجراح في النفس سواء انحتم الجراح، أَوْ لَمْ يَنْحَتِمْ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَدْخُلُ الْجِرَاحُ فِي النَّفْسِ إِذَا اجْتَمَعَا فَيُقْتَلُ وَلَا يجرح استدلالا

<<  <  ج: ص:  >  >>