للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(كتاب الأشربة والحد فيها)]

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَصْلُ الْمُسْكِرَاتِ كلها الْخَمْرُ، وَمَا سِوَاهُ مِنَ الْأَنْبِذَةِ الْمُسْكِرَةِ تَابِعٌ لَهُ وَمُسْتَنْبَطٌ مِنْهُ.

وَالْخَمْرُ هُوَ عَصِيرُ الْعِنَبِ إذا صار مسكراً بحدوث الشدة المطرية فِيهِ فَيَصِيرُ خَمْرًا بِشَرْطَيْنِ: الشِّدَّةُ والسُّكْرُ.

وَقَالَ أبو حنيفة: لا يصير خمراً بها حَتَّى يَنْضَمَّ إِلَيْهِمَا شَرْطٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنْ يقذف زبده.

وَلَيْسَ قَذْفُ الزَّبَدِ عِنْدَنَا شَرْطًا؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي شُرْبِهَا.

وَفِي تَسْمِيَتِهَا خَمْرًا تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: لِأَنَّهُ يُخَمَّرُ عَصِيرُهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَصِيرَ خَمْرًا أَيْ يغطّى وَلَوْ لَمْ يُغَطَّ لَمْ يَصِرْ خَمْرًا وَالتَّخْمِيرُ التَّغْطِيَةُ وَمِنْهُ سُمِّيَ خِمَارُ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ يُغَطِّيهَا وَيَسْتُرُهَا.

وَالثَّانِي: لِأَنَّهُ يُخَامِرُ الْعَقْلَ بِالسُّكْرِ أَيْ: يُغَطِّيهِ وَيُخْفِيهِ.

وَقَدْ كَانَ الْخَمْرُ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ يَشْرَبُهَا الْمُسْلِمُونَ وَلَا يَتَنَاكَرُونَهَا وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي اسْتِبَاحَتِهِمْ لِشُرْبِهَا هَلْ كَانَ اسْتِصْحَابًا لِحَالِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، أَوْ بِشَرْعٍ وَرَدَ فِي إِبَاحَتِهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أحدهما: انهم استصحبوا إباحتها في الجاهلية؛ لأنه لا تقدم منع منها ولا تحريم لها، هذا أَشْبَهُ الْوَجْهَيْنِ:

وَالثَّانِي: أَنَّهُمُ اسْتَبَاحُوا شُرْبَهَا بِشَرْعٍ وَرَدَ فِيهَا، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حسناً} [النحل: ٦٧] .

وفيه ثلاث تَأْوِيلَاتٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ السَّكَرَ مَا أَسْكَرَ مِنَ الخمر والنبيذ، والرزق الحسن وهو مَا أَثْمَرَ مِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>