للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهَذِهِ أَرْبَعُ آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ الْخَمْرِ. نَحْنُ نَبْدَأُ بِتَفْسِيرِ كُلِّ آيَةٍ مِنْهَا، وَنَذْكُرُ مَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ فِيمَا حُرِّمَتْ بِهِ الْخَمْرُ فيها.

أَمَّا الْآيَةُ الْأُولَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [البقرة: ٢١٩] فَقَدْ قَالَ مُقَاتِلٌ: إِنَّ الَّذِي سَأَلَ عَنْهَا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ.

وَقَالَ عَطَاءٌ: هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حِينَ قَالَ فِي الْخَمْرِ مَا قَالَ، وَاسْمُ الْخَمْرِ يَنْطَلِقُ حَقِيقَةً عَلَى عَصِيرِ الْعِنَبِ.

وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي انْطِلَاقِهِ حَقِيقَةً عَلَى مَا عَدَاهُ مِنَ الْأَنْبِذَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أنه يطلق اسْمُ الْخَمْرِ عَلَى سَائِرِ الْأَنْبِذَةِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الصِّفَةِ يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ فِي الِاسْمِ

والوجه الثاني: أنه يطلق اسْمُ الْخَمْرِ عَلَى سَائِرِ الْأَنْبِذَةِ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً، وَأَنَّ حَقِيقَةَ اسْمِ الْخَمْرِ مُخْتَصٌّ بِعَصِيرِ الْعِنَبِ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَّفِقَانِ فِي صِفَةٍ وَيَخْتَلِفَانِ فِي أُخْرَى وَيَشْتَرِكَانِ فِي الْحُكْمِ مِنْ وَجْهٍ وَيَخْتَلِفَانِ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ، فَافْتَرَقَا فِي الِاسْمِ لِافْتِرَاقِهِمَا فِي بَعْضِ الصِّفَاتِ وَبَعْضِ الْأَحْكَامِ.

وَأَمَّا الْمَيْسِرُ فَهُوَ الْقِمَارُ وَفِي تَسْمِيَتِهِ بِالْمَيْسِرِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَهْلَ الْيَسَارِ وَالثَّرْوَةِ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ.

وَالثَّانِي: لأنه موضوع على ما ينزله مِنْ غُنْمٍ أَوْ غُرْمٍ: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} [البقرة: ٢١٩] فِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ إِثْمَ الْخَمْرِ أَنَّ شَارِبَهُ يُؤْذِي النَّاسَ إِذَا سَكِرَ واسم الميسر أن صاحبه يظلم الناس إذا عومل وهذا قول السدي.

والثاني: أن اسم الْخَمْرِ أَنْ يَزُولَ عَقْلُ شَارِبِهِ فَتَغْرُبُ عَنْهُ معرفة خالقه، واسم الميسر أن يوقع العداوة والبغضاء ويصدر عن ذكر الله والصلاة، وهذا قول ابن عباس {ومنافع الناس} وَفِي مَنَافِعِ الْخَمْرِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وُفُورُ ثَمَنِهَا وربح تجارها.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَذَّةُ شُرْبِهَا وَمَا يَحْصُلُ فِي النفس من الطرب كَمَا قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:

<<  <  ج: ص:  >  >>