للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الضَّرْبُ إِلَى تَلَفِهَا. فَإِنْ أَتْلَفَهَا ضَمِنَهَا، كَذَلِكَ ضَرْبُ التَّعْزِيرِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَسْتَكْمِلَ الْحَدَّ وَبَعْضَ التَّعْزِيرِ، فَيَجْلِدُهُ فَوْقَ الْأَرْبَعِينَ وَدُونَ الثَّمَانِينَ، فإن جَلَدَهُ خَمْسِينَ فَمَاتَ. فَفِي قَدْرِ مَا يَضْمَنُهُ مِنْ دِيَتِهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا يَضْمَنُ نِصْفَ دِيَتِهِ اعتباراً بالنوع لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ وَاجِبٍ وَغَيْرِ وَاجِبٍ وَلَمْ يُعْتَبَرِ الْعَدَدُ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي الْجِرَاحِ. فَإِنَّ رَجُلًا لَوْ جَرَحَ رَجُلًا جُرْحًا وَجَرَحَهُ الآخر عشراً كان في الدية سواء، ولا يقسط على أعداد الْجِرَاحِ اعْتِبَارًا بِعَدَدِ الْجُنَاةِ كَذَلِكَ فِي الضَّرْبِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَضْمَنُ خُمْسَ دِيَتِهِ اعْتِبَارًا بِعَدَدِ الضَّرْبِ، لِتَعَلُّقِ الضَّمَانِ بِعَشَرَةٍ مِنْ خَمْسِينَ، لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَدَدِ تَأْثِيرًا فِي تَلَفِهِ، والضرب متشابه فسقطت الدِّيَةُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَتَقَسَّطْ عَلَى عَدَدِ الجراح؛ لأن للجراح موراً في اللحم يختلف ولا يتشابه، ولذلك ما جَازَ أَنْ يَمُوتَ مِنْ جِرَاحِة وَيَعِيشَ مِنْ عشرة وليس للضرب موراً في اللحم فصار متشابها، وامتنع أن يموت من سوط ويعيش من عشرة فافترق لذلك ضمان الضرب وضمان الجراح. فَعَلَى هَذَا لَوْ ضَرَبَهُ سِتِّينَ فَمَاتَ ضَمِنَ نِصْفَ دِيَتِهِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إِذَا قِيلَ بِاعْتِبَارِ النَّوْعِ، وَضَمِنَ ثُلُثَ دِيَتِهِ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي إِذَا قِيلَ بِاعْتِبَارِ الْعَدَدِ، وَعَلَى هَذَا القياس في السبعين إذا مات الثمانين ضَمِنَ نِصْفِ دِيَتِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَثَلَاثَةَ أسباعها على القول الثاني. أما إِذَا مَاتَ مِنَ الثَّمَانِينَ فَيَضْمَنُ نِصْفَ دِيَتِهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا لِأَنَّهُ قَدْ تَسَاوَى فِيهِ ضمان النوع وضمان العدد.

القسم الثالث: أن يزيد في جلده، على الاستكمال للحد وَالتَّعْزِيرِ، فَيَجْلِدُهُ تِسْعِينَ فَيَمُوتُ فَفِي قَدْرِ مَا يَضْمَنُهُ مِنْ دِيَتِهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَضْمَنُ نِصْفَ دِيَتِهِ اعْتِبَارًا بِعَدَدِ النَّوْعِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ وَاجِبٍ وَغَيْرِ وَاجِبٍ وَلَمْ يَقَعِ الْفَرْقُ بَيْنَ ما أبيح من ضَرْبِ التَّعْزِيرِ، وَمَا لَمْ يبح مِنَ الزِّيَادَةِ عليه.

القول الثَّانِي: أنَّهُ يَضْمَنُ خَمْسَةَ أَتْسَاعِ دِيَتِهِ اعْتِبَارًا بعدد الضرب، ثم على هذا المصير فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ. وَلَا يَضْمَنُ فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ جَمِيعَ دِيَتِهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا.

فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ، تَوَهَّمَ أَنَّهُ أَرَادَ جَمِيعَ الدِّيَةِ فَقَالَ: لَمْ يَمُتْ مِنَ الزِّيَادَةِ وَحْدَهَا، وَإِنَّمَا مَاتَ مِنَ الْأَرْبَعِينَ وَغَيْرِهَا، فَكَيْفَ تَكُونُ الدِّيَةُ على الإمام كلها.

[(فصل)]

وَهَذَا مِنَ الْمُزَنِيِّ صَحِيحٌ فِي الْحُكْمِ وَخَطَأٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي التَّأْوِيلِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ جميع الدية إنما أراد القدر الذي يوفي وَأَطْلَقَهُ اكْتِفَاءً بِمَا أَوْضَحَهُ مِنْ مَذْهَبِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>