للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَدَّمَهُ مِنْ أُصُولِهِ وَقَالَ: أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الشَّافِعِيُّ أَرَادَ جَمِيعَ الدِّيَةِ إِذَا عَدَلَ عَنْ ضَرْبِهِ بِالثِّيَابِ إِلَى السِّيَاطِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِهِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ فِي كِتَابِ الْأُمِّ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَدْرِ الْمَضْمُونِ مِنَ الدِّيَةِ، لَمْ يَخْلُ حَالُ الزِّيَادَةِ الَّتِي تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِهَا من ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ.

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ قَدْ أَمَرَ بِهَا فَيَكُونُ الضَّمَانُ عَلَى الْإِمَامِ دُونَ الْجَلَّادِ، وأين يكون ضمانه؟ على قولين: أحدهما: يكون ضمانه على عاقلته؛ لأنه من خطئه قد أمر عمر علياً رضي الله عنهما في التي أجهضت بإرهابها جنينها أن يقسم دِيَةَ جَنِينِهَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ قُرَيْشٍ؛ لِأَنَّهُمْ عَاقِلَةُ عُمَرَ. فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ الْكَفَّارَةَ وَإِنْ حملت الدية.

القول الثَّانِي: أَنَّ مَا لَزِمَهُ مِنَ الدِّيَةِ يَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ ضَمَانُهُ فِي بَيْتِ مَالِهِمْ، كَالْوَكِيلِ الَّذِي يُضْمَنُ مَا فَعَلَهُ عَنْ مُوَكِّلِهِ فِي مَالِ مُوَكِّلِهِ، وَإِنَّمَا ضَمِنَ عُمَرُ جَنِينَ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَرْهَبَهَا فِي تُهْمَةٍ لَمْ تَتَحَقَّقْ عِنْدَهُ، فَعَدَلَ بِالضَّمَانِ لِأَجْلِ ذَلِكَ عَنْ بَيْتِ الْمَالِ إِلَى عَاقِلَتِهِ فَعَلَى هَذَا فِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: فِي بَيْتِ المال، تعليلا بما ذكرنا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تحتمل، وَكَذَلِكَ إِذَا تَحَمَّلَتِ الْعَاقِلَةُ الدِّيَةَ لَمْ تَتَحَمَّلِ الْكَفَّارَةَ وَقَدْ حَكَى ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا فِي ضَمَانِ الْإِمَامِ وَجْهًا ثَالِثًا: أنه يضمن فِيمَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى الْمَضْمُونِ، كَتَعْزِيرِ مَنْ عَزَّرَ نَفْسَهُ أَوْ قَدَحَ فِي عِرْضِهِ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ دُونَ بَيْتِ الْمَالِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ مِنْ فِعْلِ الْجَلَّادِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ قَدْ فَوَّضَهُ إِلَى رَأْيِهِ، وَوَكَّلَهُ إِلَى اجْتِهَادِهِ، فَيَكُونُ خَطَؤُهُ فِيهِ كَخَطَأِ الْإِمَامِ، فَيَكُونُ فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنَ الدِّيَةِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: عَلَى عَاقِلَتِهِ.

وَالثَّانِي: فِي بَيْتِ الْمَالِ، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِالتَّفْوِيضِ فِي حُكْمِ الْإِمَامِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يكون الإمام قد أمره بالحد وحدده، فَزَادَ الْجَلَّادُ عَلَيْهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>