للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَقْصُودَ بِهِ الِاسْتِصْلَاحُ وَالتَّأْدِيبُ فَإِذَا أَفْضَى إِلَى التَّلَفِ كَانَ مَضْمُونًا بِالدِّيَةِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَيَقْتَضِي عَلَى اعْتِبَارِ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنْ يَكُونَ ضَرْبُ الضارب إِذَا أَفْضَى إِلَى تَلَفِ الدَّابَّةِ أَنْ يَضْمَنَهَا قِيلَ لَا يَضْمَنُهَا لِأَنَّهُ لَا يسْتَغْني عَنْ ضَرْبِهَا بِغَيْرِهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ زَجْرٍ وَقَدْ يُسْتَغْنَى عَنْ ضَرْبِ الصَّبِيِّ بِالْقَوْلِ وَالزَّجْرِ، فَتَعَيَّنَ ضَرْبُ الدَّابَّةِ فَلَمْ يَضْمَنْهَا، وَلَمْ يَتَعَيَّنْ ضَرْبُ الصبي فضمنه.

[(مسألة)]

قال الشافعي: " وَلَوْ عَزَّرَ الْإِمَامُ رَجُلًا فَمَاتَ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا التعزير فتأديب على ذنوب لم تشرع فيها الحدود، وَالْكَلَامُ فِيهِ مُشْتَمِلٌ عَلَى فَصْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: فِي صِفَتِهِ.

وَالثَّانِي: فِي حُكْمِهِ.

فَأَمَّا صِفَتُهُ: فَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الذَّنْبِ وَاخْتِلَافِ فَاعِلِهِ فَيُوَافِقُ الْحُدُودَ فِي اخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ الذُّنُوبِ. وَيُخَالِفُ الْحُدُودَ فِي الْفَاعِلِ فَيَخْتَلِفُ التَّعْزِيرُ بِاخْتِلَافِ الْفَاعِلِ فَيَكُونُ تَعْزِيرُ ذِي الْهَيْئَةِ أَخَفَّ مِنْ تَعْزِيرِ ذِي السَّفَاهَةِ.

وَيَسْتَوِي فِي الْحُدُودِ ذُو الْهَيْئَةِ وَذُو السَّفَاهَةِ، لِأَنَّ الْحُدُودَ نُصُوصٌ فَاسْتَوَى الْكَافَّةُ فِيهَا. وَالتَّعْزِيرُ اجْتِهَادٌ فِي الِاسْتِصْلَاحِ، فَاخْتَلَفَ الناس فيه باختلاف أحوالهم.

رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّه قَالَ: " تَجَافَوْا لِذَوِي الْهَيْئَاتِ عَنْ عَثَرَاتِهِمْ)) .

وإذا كان كذلك نزل التَّعْزِيرُ بِاخْتِلَافِ الذُّنُوبِ وَاخْتِلَافِ فَاعِلِيهَا عَلَى أَرْبَعِ مراتب:

فالمرتبة الأولى: التعزير بالكلام.

والمرتبة الثانية: التعزير بالحبس.

والمرتبة الثالثة: التعزير بالنفي.

ثم المرتبة الرَّابِعَةُ: التَّعْزِيرُ بِالضَّرْبِ، يَنْدَرِجُ ذَلِكَ فِي النَّاسِ حَسَبَ مَنَازِلِهِمْ. فَيَكُونُ تَعْزِيرُ مَنْ جَلَّ قَدْرُهُ بالإعراض عنه. وتعزير من دونه بالتعنيف له. وتعزير من

<<  <  ج: ص:  >  >>