للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال أبو يوسف: اكثر التعزير خمسة وسبعون من غير تفصيل. ولا استنباط مِنْ ذُنُوبِ الْحُدُودِ.

وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ: أَظْهَرُ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ بَلَغَ بِمَا لَيْسَ بِحَدٍّ حَدًّا فَهُوَ مِنَ الْمُعْتَدِينَ) .

وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَقَلُّ مَا قِيلَ فِيهِ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " جَنْبُ الْمُؤْمِنِ حِمًى) .

وَأَمَّا إِشْهَارُ الْمُعَزَّرِ فِي الناس فجائز إذا أدى الاجتهاد إليه ليكون زيادة في نكال التَّعْزِيرِ، وَأَنْ يُجَرَّدَ مِنْ ثِيَابِهِ إِلَّا قَدْرَ ما يستر عَوْرَتَهُ وَيُنَادَى عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ إِذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ وَلَمْ يُقْلِعْ عَنْهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يُحْلَقَ شَعْرُ رَأْسِهِ. وَلَا يَجُوزَ أَنْ يُحْلَقَ شَعْرُ لِحْيَتِهِ. وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِ تَسْوِيدِ وَجْهِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

يجوز أَحَدُهُمَا: وَيُمْنَعُ مِنْهُ فِي الْآخَرِ. وَيَجُوزُ أَنْ يصلب في التعزير حياً؛ قد صَلَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رجلاً على جبل يقال له أبو ناب، وَلَا يُمْنَعُ إِذَا صُلِبَ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَلَا يُمْنَعُ مِنَ الْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ وَيُصَلِّي مُومِئًا، وَيُعِيدُ إِذَا أَرْسَلَ. وَلَا يَتَجَاوَزُ صَلْبُهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا حُكْمُ التَّعْزِيرِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الْحُدُودِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: فِي الْوُجُوبِ وَالْإِبَاحَةِ.

وَالثَّانِي: فِي حُدُوثِ التَّلَفِ عَنْهُ.

فَأَمَّا الْحُكْمُ الْأَوَّلُ فِي الْوُجُوبِ وَالْإِبَاحَةِ فَالتَّعْزِيرُ مُبَاحٌ يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْهُ، وَالْحُدُودُ وَاجِبَةٌ لَا يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْهَا.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ كَانَ لَا يَرْتَدِعُ بِغَيْرِ التَّعْزِيرِ، وَجَبَ تَعْزِيرُهُ وَلَمْ يَجُزِ الْعَفْوُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ يَرْتَدِعُ بِغَيْرِهِ كَانَ عَلَى خِيَارِ الْإِمَامِ فِي تَعْزِيرِهِ وَالْعَفْوِ عَنْهُ.

وَدَلِيلُنَا مَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: اعْدِلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: " لْقَدْ شَقِيتَ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ) . وَلَمْ يُعَزِّرْهُ. وَإِنْ كَانَ مَا قَالَهُ يَقْتَضِيهِ، وَحَكَمَ بَيْنَ الزُّبَيْرِ وَرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي شِرْبٍ بَيْنَهُمَا فَقَالَ لِلزُّبَيْرِ: اسق أنت ثم أرسل الماء إليه. فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إنه ابن عمتك، أي قدمته لقرابته لا بحقه فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَالَ لِلزُّبَيْرِ: " احْبِسِ الْمَاءَ فِي أَرْضِكَ إِلَى الكعبين) .

<<  <  ج: ص:  >  >>