للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيها اسمه} [النور: ٣٦] يريد بالبيوت: المساجد.

في قوله تعالى: {أذن الله أن ترفع} وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: تُعَظَّمَ.

وَالثَّانِي: تُصَانَ وَفِي قَوْلِهِ: " ويذكر فيها اسمه) وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ التَّعَبُّدُ لَهُ بِالصَّلَاةِ فِيهَا.

وَالثَّانِي: طَاعَتُهُ بِتِلَاوَةِ كِتَابِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ، فَنَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ إِقَامَةِ الْحُدُودِ فِيهَا.

وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ مِنَ السُّنَّةِ نَصٌّ لِرِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ وَلَا يقتل بِالْوَلَدِ الْوَالِدُ) .

وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَمِعَ رَجُلًا يُنْشِدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: " يا أيها الناشد، غيرك الواجد إِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا إِنَّمَا بُنِيَتْ لذكر الله وللصلاة) .

وَرَوَى حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نهى أن يستقاد في المساجد وأن تنشد فِيهَا الْأَشْعَارُ، وَأَنْ تُقَامَ فِيهَا الْحُدُودُ) .

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْأَشْعَارِ مَا كَانَ هِجَاءً، أَوْ عزلا، أو مدحاً كاذباً؛ لِأَنَّ الشِّعْرَ قَلَّ مَا يَخْلُو مِنْهُ.

فَأَمَّا مَا تَجَرَّدَ عَنْ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْعَارِ فَغَيْرُ ممنوع من إنشادها فيه.

وقد أَنْشَدَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ قَصِيدَتَهُ الَّتِي مَدَحَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في المسجد فلم ينكر عليه، وَكَذَلِكَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ.

وَلِأَنَّ إِقَامَةَ الْحُدُودِ فِي الْمَسَاجِدِ مُؤْذٍ لِلْمُصَلِّينَ فِيهَا؛ وَلِأَنَّ الْمَحْدُودَ ربما نجس المسجد بدمه، أو حدثه.

فإن ثَبَتَ أَنَّ الْحُدُودَ تُقَامُ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ نُظِرَ فِي الْمَحْدُودِ، فَإِنْ كَانَ مُتَهَافِتًا فِي ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي أُظْهِرَ حَدُّهُ فِي مَجَامِعِ النَّاسِ وَمَحَافِلِهِمْ؛ لِيَزْدَادَ بِهِ نَكَالًا وَارْتِدَاعًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ حُدَّ فِي الْخَلَوَاتِ حِفْظًا لصيانته. وبالله التوفيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>