للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جهزهم على إجماعهم أَنَّ الْبِدَايَةَ بِالْمُرْتَدِّينَ أَوْلَى، وَلِأَنَّ الرِّدَّةَ عَنِ الْإِسْلَامِ أَغْلَظُ مِنَ الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ لِثَلَاثَةِ مَعَانٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى رِدَّتِهِ وَإِنْ أقر الكافر على كفره.

والثاني: أنه يتقدم إِسْلَامِهِ قَدْ أَقَرَّ بِبُطْلَانِ الدِّينِ الَّذِي ارْتَدَّ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْكَافِرِ إِقْرَارٌ بِبُطْلَانِهِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يُفْسِدُ قُلُوبَ ضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَيُقَوِّي نُفُوسَ الْمُشْرِكِينَ، فَوَجَبَ لِغِلَظِ حَالِهِ أَنْ يُبْدَأَ بِقِتَالِ أَهْلِهِ، فَإِذَا أَرَادَ قِتَالَهُمْ لَمْ يَبْدَأْ بِهِ إِلَّا بَعْدَ إِنْذَارِهِمْ وَسُؤَالِهِمْ عَنْ سَبَبِ رِدَّتِهِمْ، فَإِنْ ذَكَرُوا شُبْهَةً أَزَالَهَا، وَإِنْ ذَكَرُوا مَظْلَمَةً رَفَعَهَا، فَإِنْ أَصَرُّوا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الرِّدَّةِ قَاتَلَهُمْ، وَأَجْرَى عَلَى قِتَالِهِمْ حُكْمَ قِتَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْ وَجْهٍ، وَحُكْمَ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ مِنْ وَجْهٍ.

فَأَمَّا مَا يُسَاوُونَ فِيهِ أَهْلَ الْحَرْبِ مِنْ أَحْكَامِ قِتَالِهِمْ وَيُخَالِفُونَ فِيهِ أَهْلَ الْبَغْيِ فَمِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ يجوز أن يقاتلوا مدبرين ومقبلين، وَلَا يُقَاتَلُ أَهْلُ الْبَغْيِ إِلَّا مُقْبِلِينَ.

وَالثَّانِي: يجوز أن يوضع عليهم البيان والتحريق، ويرموا بالقرادة وَالْمَنْجَنِيقِ، وَلَا يَجُوزَ ذَلِكَ فِي أَهْلِ الْبَغْيِ.

وَالثَّالِثُ: إِبَاحَةُ دِمَائِهِمْ أَسْرَى وَمُمْتَنِعِينَ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي أَهْلِ الْبَغْيِ.

وَالرَّابِعُ: مَصِيرُ أَمْوَالِهِمْ فَيْئًا لِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي أَمْوَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ.

وَأَمَّا مَا يُوَافِقُونَ فِيهِ أَهْلَ الْبَغْيِ وَيُخَالِفُونَ فِيهِ أَهْلَ الْحَرْبِ فَمِنْ أربعة أوجه:

أحدها: انهم لا يهادنوا عَلَى الْمُوَادَعَةِ إِقْرَارًا عَلَى الرِّدَّةِ وَإِنْ جَازَ مُهَادَنَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ.

وَالثَّانِي: أنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ وَلَا أَنْ يُصَالَحُوا على مال يقروا بِهِ عَلَى الرِّدَّةِ وَإِنْ جَازَ ذَلِكَ فِي أَهْلِ الْحَرْبِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَرَقُّوا وَإِنْ جَازَ اسْتِرْقَاقُ أَهْلِ الْحَرْبِ.

وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ وَلَا تُغْنَمَ أَمْوَالُهُمْ وَإِنْ جَازَ ذَلِكَ فِي أَهْلِ الحرب والله أعلم.

[(مسألة)]

قال الشافعي: " فَإِذَا ظَفِرُوا بِهِمُ اسْتَتَابُوهُمْ فَمَنْ تَابَ حُقِنَ دَمُهُ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ بِالرِّدَّةِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>