للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَنَّ مَنْعَهُ مِنَ الْفَاحِشَةِ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الله تعالى وحق نفسه في أهله وحق امْرَأَتِهِ إِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً فَلَمْ يَسَعْهُ إِضَاعَةُ هذه الحقوق بالكف والإمساك، فأما إن كان وَجَدَهُ يَزْنِي بِأَجْنَبِيَّةٍ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهَا وَيَكُفَّهُ عَنْهَا، فَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً تَفَرَّدَ الْمَنْعُ بِهِ دُونَهَا، وَإِنْ كَانَتْ مطاوعة توجه المنع إليهما وَالْإِنْكَارُ عَلَيْهِمَا؛ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ صِيَانَةِ مَحَارِمِ الله تعالى وَحِفْظِ حُقُوقِهِ وَالْكَفِّ عَنْ مَعَاصِيهِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَرَى ذَلِكَ فِي أَهْلِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَرَاهُ فِي غَيْرِ أَهْلِهِ أَنَّ فَرْضَهُ فِي أَهْلِهِ مُتَعَيِّنٌ عَلَيْهِ، وَفِي غَيْرِ أَهْلِهِ عَلَى الْكِفَايَةِ.

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوبِ الدفع نظر حال الرجل الزَّانِي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قد أَوْلَجَ فَعَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَدْفَعَهُ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى الْقَتْلِ إِلَّا أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى دَفْعِهِ بِغَيْرِ الْقَتْلِ كَمَا قُلْنَا فِي دَفْعِهِ عَنْ طَلَبِ النَّفْسِ وَالْمَالِ، وينظر فإن لم يكن قد وقع عليهما فَفِي الدَّفْعِ أَنَاةٌ، وَإِنْ وَقَعَ عَلَيْهَا تَعَجَّلَ الدَّفْعُ وَتَغَلَّظَ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَوْلَجَ جَازَ أن يبدأ في دفعه بالقتل ولا يترتب عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ تَمُرُّ عَلَيْهِ مُوَاقِعًا لَهُ بِالزِّنَا لَا يَسْتَدْرِكُ بالأناة فجاز لأجلها أن يعجل القتل.

روي أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إنني وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا فَلَمْ أَقْتُلْهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَمَا إِنَّهُ لَوْ كَانَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَقَتَلْتُهُ يَعْنِي الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، فَدَلَّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى وُجُوبِ قَتْلِهِ، وَفِي هَذَا الْقَتْلِ وَجْهَانِ مُحْتَمَلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَتْلُ دَفْعٍ فَعَلَى هَذَا يَخْتَصُّ بِالرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ قَتْلُ حَدٍّ يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ دُونَ السُّلْطَانِ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لِتَفَرُّدِهِ بِالْمُشَاهَدَةِ الَّتِي لَا تَتَعَدَّاهُ.

وَالثَّانِي: لِاخْتِصَاصِهِ فِيهِ بِحَقِّ نَفْسِهِ فِي إِفْسَادِ فِرَاشِهِ عَلَيْهِ فِي الزِّنَا بِزَوْجَتِهِ.

فَعَلَى هذا يجوز فِيهِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إِنْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً إِلَّا أَنَّ الْمَرْأَةَ يُفَرَّقُ فِيهَا بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ فَتُقْتَلُ إِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا، وَتُجْلَدُ إِنْ كَانَتْ بِكْرًا.

وَأَمَّا الرَّجُلُ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ؛ لِأَنَّهُ حد زنا كَالْمَرْأَةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ، وَيُقْتَلُ فِي الْحَالَيْنِ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَتْلَهُ حَدًّا أَغْلَظُ مِنْ قَتْلِهِ دَفْعًا، وَيَجُوزُ لِتَغْلِيظِ حَالِهِ أَنْ يُقْتَلَ دَفْعًا فَجَازَ أَنْ يُقْتَلَ حَدًّا.

<<  <  ج: ص:  >  >>