للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: معناه إن خَصَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعِلْمٍ أَفْرَدَهُ بِهِ دُونَ الْآخَرِ فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ أُوتِيَ حُكْمًا، وَعِلْمًا.

فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ نَقَضَ دَاوُدُ حُكْمَهُ بِاجْتِهَادِ غَيْرِهِ فَعَنْهُ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ ذَكَرَ الْحُكْمَ وَلَمْ يُمْضِهِ، حَتَّى بَانَ لَهُ صَوَابُ مَا حَكَمَ بِهِ سُلَيْمَانُ فَعَدَلَ إِلَيْهِ، وَحَكَمَ بِهِ وَهَذَا جَائِزٌ.

وَالثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى صَوَّبَ قَضَاءَ سُلَيْمَانَ فَصَارَ نَصًّا وَحُكْمُ مَا خَالَفَ النَّصَّ مَرْدُودٌ.

وَالدَّلِيلُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مَنْ سَوَّى بَيْنَ اللَّيْلِ والنهار وفي سُقُوطِ الضَّمَانِ، نَصٌّ صَرِيحٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَوْجَبَهُ فِي رَعْيِ الْغَنَمِ فِي اللَّيْلِ، وَعَلَى مَنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ مِنْ طَرِيقِ التَّنْبِيهِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ عَلَى صِفَةٍ تقتضي انتفاء عِنْدَ عَدَمِهَا، ثُمَّ جَاءَتِ السُّنَّةُ، بِنَصٍّ صَرِيحٍ، فِي الْفَرْقِ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَهُوَ الْحَدِيثُ المتقدم في صدر الكتاب رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَرَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةَ أَنَّ نَاقَةً للبراء بن عازب دخلت حائطاً فأفسدت فَإِنْ قِيلَ: حَرَامُ بْنُ سَعْدٍ لَا صُحْبَةَ لَهُ فَكَانَ مُرْسَلًا.

قِيلَ: قَدْ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مُسْنَدًا عَنْ أَيُّوبَ بْنِ سُوَيْدٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَرَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ نَاقَةٌ ضَارِيَةٌ دَخَلَتْ حَائِطَ قَوْمٍ، فَأَفْسَدَتْ فيه فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْأَمْوَالِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ وَمَا أفسدت المواشي بالليل فهو ضمان على أهلها " فَقَدْ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ مُسْنَدًا فَتَأَكَّدَ، وَهُوَ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ بِاللَّيْلِ، وَسُقُوطِهِ بِالنَّهَارِ لَا تأويل فيه بصرفه عَنْ ظَاهِرِ نَصِّهِ، ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَوَاشِيَ وَالزُّرُوعَ مَرْصَدَانِ لِطَلَبِ الْفَضْلِ فِيهِمَا، وَاسْتِمْدَادِ الرِّزْقِ مِنْهُمَا، وَالْفَضْلُ فِي الْمَوَاشِي بِإِرْسَالِهَا نَهَارًا، فِي مَرَاعِيهَا فَسَقَطَ حِفْظُهَا فِيهِ، وَالْفَضْلُ فِي الزُّرُوعِ، بِعَمَلِ أَهْلِهَا نَهَارًا، فِيهَا فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ حِفْظُهَا فِيهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ اللَّيْلَ زَمَانُ النَّوْمِ وَالدَّعَةِ، فَلَزِمَ أَرْبَابَ الْمَوَاشِي فِيهِ حِفْظُهَا فِي أَفْنِيَتِهِمْ وَمَسَاكِنِهِمْ، وَسَقَطَ فِيهِ عَنْ أَرْبَابِ الزروع حفظها لا يوائهما فِيهِ إِلَى مَسَاكِنِهِمْ، فَثَبَتَ بِهَذَيْنِ حِفْظُ الزُّرُوعِ عَلَى أَهْلِهَا فِي النَّهَارِ، دُونَ اللَّيْلِ، وَحِفْظُ الْمَوَاشِي عَلَى أَهْلِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>