للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عوف، وطلحة بن عبد اللَّهِ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فَجَاءَ بِهِمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى اسْتَجَابُوا لَهُ بِالْإِسْلَامِ، وَصَلَّوْا، فَصَارُوا مَعَ مَنْ تَقَدَّمَ ثَمَانِيَةً أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَصَلَّى، ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ فِي الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(فَصْلٌ)

وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَى الِاسْتِسْرَارِ بِدُعَائِهِ مُدَّةَ ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ مَبْعَثِهِ وَقَدِ انْتَشَرَتْ دَعْوَتُهُ فِي قُرَيْشٍ، إِلَى أَنْ أُمِرَ بِالدُّعَاءِ جَهْرًا، وَنَزَلَ عَلَيْهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: ٩٤] فَلَزِمَهُ الْجَهْرُ بِالدُّعَاءِ، وَأُمِرَ أَنْ يَبْدَأَ بِإِنْذَارِ عَشِيرَتِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: ٢١٤، ٢١٥]

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الصَّفَا فَهَتَفَ: يَا صَاحِبَاهُ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ حَتَّى ذَكَرَ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ وَقَالُوا: مَا لَكَ؟ فَقَالَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَمَا كُنْتُمْ تُصَدِّقُونِي؟ قَالُوا: بَلَى: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ ثُمَّ قَامَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: ١] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمْ يَكُنْ مِنْ قُرَيْشٍ فِي دُعَائِهِ لَهُمْ مُبَاعَدَةٌ لَهُ وَلَكِنْ رَدُّوا عَلَيْهِ بَعْضَ الرَّدِّ، حَتَّى ذَكَرَ آلِهَتَهُمْ وَعَابَهَا، وَسَفَّهَ أَحْلَامَهُمْ فِي عِبَادَتِهَا، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِهِ، وَتَظَاهَرُوا بِعَدَاوَتِهِ إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ بِالْإِسْلَامِ وَهُمْ قَلِيلٌ مُسْتَخْفُونَ وَحَدَبَ عَلَيْهِ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ فَمَنَعَ مِنْهُ وَقَامَ دُونَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى رَأْيِهِمْ فَلَمَّا طَالَ هَذَا عَلَيْهِمُ، اجْتَمَعَتْ مَشْيَخَةُ قُرَيْشٍ إِلَى أَبِي طَالِبٍ وَقَالُوا: إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ قَدْ عَابَ عَلَيْنَا دِينَنَا وَسَبَّ آلِهَتَنَا، وَسَفَّهَ أَحْلَامَنَا، وَضَلَّلَ آبَاءَنَا فَإِمَّا أَنْ تَكُفَّهُ عَنَّا وَإِمَّا أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، فَإِنَّكَ عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ خِلَافِهِ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو طَالِبٍ قَوْلًا رَفِيقًا، وَرَدَّهُمْ رَدَّا جَمِيلًا وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَى دُعَائِهِ فَلَمَّا كَبُرَ ذَلِكَ عَلَى قُرَيْشٍ، وَاشْتَدَّ بِهِمْ عَادُوا إِلَى أَبِي طَالِبٍ ثَانِيَةً، وَقَالُوا: قَدِ اسْتَنْهَيْنَاكَ ابْنَ أَخِيكَ، وَلَمْ تَنْهَهُ وَاسْتَكْفَفْنَاكَ فَلَمْ تَكُفَّهُ، وَأَنْتَ كَبِيرُنَا فَأَنْصِفْنَا مِنْهُ، وَمُرْهُ أَنْ يَكُفَّ عَنْ شَتْمِ آلِهَتِنَا، حَتَّى نَدَعَهُ وَإِلَهَهُ الَّذِي يَعْبُدُهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ أَبُو طَالِبٍ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لَهُ: يَا ابْنَ أَخِي هَؤُلَاءِ مَشْيَخَةُ قَوْمِكَ، وَقَدْ سَأَلُوكَ النِّصْفَ أَنْ تَكُفَّ عَنْ شَتْمِ آلِهَتِهِمْ، وَيَدَعُوكَ وَإِلَهَكَ فَقَالَ: أَو عَمِّ أَوَلَا أَدْعُوهُمْ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْهَا؟ قَالَ وَإِلَى مَا تَدْعُوهُمْ قَالَ: أَدْعُوهُمْ إِلَى كَلِمَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ وَيَمْلِكُونَ بِهَا الْعَجَمَ قَالَ أَبُو جَهْلٍ: مَا هِيَ وأبيك

<<  <  ج: ص:  >  >>