للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ مِنْ نَصِّ السُّنَّةِ مَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَنَّ رَجُلًا هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنَ الْيَمَنِ فَقَالَ: " قَدْ هَجَرْتَ الشِّرْكَ وَبَقِيَتْ هِجْرَةُ الْجِهَادِ، فَهَلْ لَكَ بِالْيَمَنِ أَحَدٌ؟ قَالَ: نعم: أبواي قال: استأذنتهما فَإِنْ أَذِنَاكَ فَجَاهِدْ وَإِلَّا فَبَرَّهُمَا "

وَرَوَى حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ "

وَرَوَى عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " جِئْتُ أُبَايِعُكَ وَتَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا وَأَبَى أَنْ يُبَايِعَهُ "

وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا آتِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أُبَايِعُكَ عَلَى الْجِهَادِ فَقَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ بَعْلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَانْطَلِقْ فَجَاهِدْ، فَإِنَّ لَكَ فِيهِ مُجَاهِدًا حَثِيثًا، يُرِيدُ بِالْبَعْلِ مَنْ تَلْزَمُهُ طَاعَتُهُ مِنْ وَالِدٍ أَوْ وَالِدَةٍ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: بَعْلُ الدَّارِ، أَيْ مَالِكُهَا، وَمِنْهُ سُمِّيَ الزَّوْجُ بَعْلًا.

وَلِأَنَّ فَرْضَ الْجِهَادِ عَلَى الْكِفَايَةِ وَطَاعَةَ الْأَبَوَيْنِ مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ فَكَانَ أَوْكَدَ فَأَمَّا إذاْ كَانَ أَبَوَاهُ مَشركَيْنِ لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِئْذَانُهُمَا، لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِهِ تَدَيُّنًا وَقَدْ جَاهَدَ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبُوهُ عُتْبَةُ يُقَاتِلُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْمَ بَدْرٍ حَتَّى قُتِلَ وَكَانَ سَيِّدَ الْمُشْرِكِينَ.

وَقَاتَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْمَ أُحُدٍ وَأَبُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ رَأْسُ الْمُنَافِقِينَ يُخَذِلُ النَّاسَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَيَصُدُّهُمْ عَنِ اتِّبَاعِهِ وَيَقُولُ: مَا وَعَدَنَا اللَّهُ ورسوله إلا غرورا.

وَقِيلَ إِنَّ الْقَائِلَ لِهَذَا قُشَيْرُ بْنُ مُعَتِّبٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِإِذْنِ مَنْ أَشْرَكَ أَوْ نَافَقَ لِأَنَّ النِّفَاقَ هُوَ الشِّرْكُ الْخَفِيُّ.

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا لَمْ يَخْلُ حَالُ الْأَبَوَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَا مُسْلِمَيْنِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْذِنَهُمَا وَلَهُمَا فِي الإذن ثلاثة أحوال:

أحدهما: أَنْ يَأْذَنَا لَهُ مَعًا فَلَهُ الْجِهَادُ، فَإِنْ رَجَعَا عَنِ الْإِذْنِ رُدَّ عَلَيْهِمَا مَا لَمْ يتلق الزَّحْفَانِ.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَمْتَنِعَا مِنَ الْإِذْنِ فَيُمْنَعُ مِنَ الْجِهَادِ فَإِنْ أَذِنَا بَعْدَ الْمَنْعِ سَقَطَ حُكْمُ الْمَنْعِ.

وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَحَدُهُمَا وَيَمْنَعَهُ الْآخَرُ فَيُغَلَّبُ حُكْمُ الْمَنْعِ على الإذن

<<  <  ج: ص:  >  >>