للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَصْنَافُ وَمَنْ شَاكَلَهَا، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِهِمْ مَعْدُومٌ، وَالْمَخُوفَ مِنَ الضَّرَرِ بِهِمْ مَوْجُودٌ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ كَانَ يَغْزُو أَمْثَالُ هَؤُلَاءِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَيُقِرُّهُمْ وَلَا يَرُدُّهُمْ فَهَلَّا وَجَبَ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِيهِمْ.

قِيلَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ خَصَّ رَسُولَهُ مِنْ ذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ عُدِمَا فِيمَنْ بَعْدَهُ من الولاة:

أحدها: مَا يُوحَى إِلَيْهِ مِنْ مَكْرِ الْمُنَافِقِينَ فَيَحْتَرِزُ مِنْهُ.

وَالثَّانِي: اخْتِيَارُ أَصْحَابِهِ بِقُوَّةِ الْإِيمَانِ وَتَصْدِيقِ الْوَعْدِ.

(فَصْلٌ)

: فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ الْوَقْعَةَ لَمْ يُسْهَمْ لَهُ وَلَمْ يُرْضَخْ لِمَعْصِيَتِهِ بِالْحُضُورِ وَخُرُوجِهِ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ بِغَيْرِ إِذْنِ أَبَوَيْهِ وَإِذْنِ صَاحِبِ الدَّيْنِ عَاصٍ وَيُسْهَمُ لَهُ والصَّبِيُّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْجِهَادِ وَيُرْضَخُ لَهُ فَهَلَّا كَانَ هَؤُلَاءِ بِمَثَابَتِهِمْ.

قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَنْعَ ذَوِي الضَّرَرِ لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِمَقْصُودِ الْجِهَادِ الْمُتَعَبَّدِ بِهِ، فَبَطَلَ حَقُّهُمْ مِنْهُ، وَمَنْعَ ذِي الْأَبَوَيْنِ وَمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْجِهَادِ، فَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُمْ مِنْهُ اعْتِبَارًا بِالْأُصُولِ فِي غَيْرِ الْجِهَادِ كَمَنْعِ الْمُصَلِّي بِالنَّجَاسَةِ وَفِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالنَّجَاسَةِ لِاخْتِصَاصِ الْمَنْعِ، بِمَعْنًى يَعُودُ إِلَى الصَّلَاةِ، وَلَا يَبْطُلُ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ لِاخْتِصَاصِ الْمَنْعِ بِمَا لَا يَعُودُ إِلَيْهَا، لِأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ دُخُولِهَا مُصَلٍّ وَغَيْرُ مُصَلٍّ.

فَإِنْ تَظَاهَرَ هَؤُلَاءِ بِالتَّوْبَةِ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ تَوَجُّهِ الظَّفَرِ لَمْ يُسْهَمْ لَهُمْ، وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ تَوَجُّهِ الظَّفَرِ كُشِفَ عَنْهَا.

فَإِنْ كَانَتْ لِتَقِيَّةٍ وَحَذَرٍ لَمْ يُسْهَمْ لَهُمْ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ لِرَغْبَةٍ فِي الْمَغْنَمِ، فَإِنْ كَانَتْ لَتَدَيُّنٍ قَدْ ظَهَرَ مِنْهُمْ أُسْهِمَ لَهُمْ، وَإِنْ أَشْكَلَتْ أَحْوَالُهُمْ لَمْ يُسْهَمْ لَهُمْ، لِتَرَدُّدِهَا بَيْنَ إِسْقَاطِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ، وَلَوْ غَزَا مِنْ ذَوِي النِّفَاقِ مَنْ أَضْمَرَهُ وَلَمْ يَتَظَاهَرْ بِالضَّرَرِ أُسْهِمَ لَهُ، وَلَمْ يَكْشِفْ عَنْ بَاطِنِ مُعْتَقَدِهِ.

قَدْ أَسْهَمَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِمَنْ شَهِدَ غَزَوَاتِهِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ.

(مَسْأَلَةٌ)

: قال الشافعي: وَوَاسِعٌ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ لِلْمُشْرِكِ أَنْ يَغْزُوَ مَعَهُ إِذَا كَانَتْ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ مَنْفَعَةٌ وَقَدْ غَزَا عَلَيْهِ السَّلَامُ بِيَهُودٍ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ بَعْدَ بَدْرٍ وَشَهِدَ مَعَهُ صَفْوَانُ حُنَيْنًا بَعْدَ الْفَتْحِ وَصَفْوَانُ مُشْرِكٌ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ غَزَا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِيَهُودِ بَنِي قَيْنُقَاعَ بَعْدَ بَدْرٍ وَشَهِدَ مَعَهُ صفوان.

<<  <  ج: ص:  >  >>