للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَعَثَ إِلَى بَنِي لِحْيَانَ لِيَخْرُجْ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ مِنْكُمْ رَجُلٌ يَكُونُ خَلَفَ الْخَارِجِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ، وَلَهُ مِثْلُ نِصْفِ أَجْرِ الْخَارِجِ.

وَلِأَنَّهُ لَوْ تَعَيَّنَ فَرْضُهُ لَخَلَتِ الْبِلَادُ مِنْ أَهْلِهَا وَضَاعَتِ الذَّرَارِيُّ وَتَعَطَّلَتْ مَوَادُّ الزِّرَاعَةِ وَالتِّجَارَةِ، وَهَذَا فَسَادٌ يَعُمُّ فَكَانَ بِالْمَنْعِ أَحَقَّ.

فَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِمَا تَقَدَّمَ فَعَنْهُ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى تَعْيِينِ فَرْضِهِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ نَسْخِهِ بِمَا بَيَّنَّاهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ دَعَاهُ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي عَيْنِهِ فَتَأَخَّرَ عَنْهُ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فيما لم تقع به الكفاية.

[(مسألة)]

: قال الشافعي: " فَإِذَا لَمَّ يَقُمْ بِالنَّفِيرِ كِفَايَةٌ خَرَجَ مَنْ تَخَلَّفَ وَاسْتَوْجَبُوا مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ كِفَايَةٌ حَتَّى لَا يَكُونَ النَّفِيرُ مُعَطَّلًا لَمْ يَأْثَمْ مِنْ تَخَلَّفَ لِأَنَّ اللَهَ تَعَالَى وَعَدَ جَمِيعَهُمُ الْحُسْنَى "

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَتُهُ أَنَّ قِتَالَ الْعَدُوِّ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونُوا مُقِيمِينَ فِي بِلَادِهِمْ مُتَشَاغِلِينَ بِأُمُورِهِمْ مِنْ مَزَارِعَ وَصَنَائِعَ وَمَتَاجِرَ، فَفَرْضُ جِهَادِهِمْ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَأَقَلُّ مَا يُقَاتِلُوا فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً، فَإِنْ كَانَ فِي ثَغْرِهِمْ أَمِيرٌ مُقَلَّدًا عَلَى غَزْوِهِمْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فَرْضُ تَجْهِيزِهِمْ فِي الْغَزْوِ وَتَدْبِيرِهِمْ فِي وَقْتِ الْخُرُوجِ عَلَى مَا يَأْمَنُونَ ضَرَرَهُ مِنَ اشْتِدَادِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، وَيَسْلُكُ بِهِمْ أَسْهَلَ الطُّرُقِ وَأَوْطَأَهَا وَأَكْثَرَهَا مَاءً وَمَرْعَى، وَأَقَلُّ مَا يُخْرِجُهُ إِلَيْهِمْ أَنْ يُقَاتِلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ رَجُلَيْنِ مِنْ عَدُوِّهِمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تعالى: {إن يكن مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: ٦٦] وَأَكْثَرُ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَهْلِ الثَّغْرِ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ رَجُلًا كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَإِذَا اسْتَقَلَّ ذَلِكَ الثَّغْرَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ قَامَ بِهِمْ فَرْضُ الْكِفَايَةِ، وَسَقَطَ عَنْ كَافَّةِ الْأُمَّةِ مَا لَمْ يَحْدُثْ فَيَتَغَيَّرُ هَذَا التَّقْدِيرُ بِحَسَبِ الْحَادِثَةِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنَّ يَسِيرَ الْعَدُوُّ مِنْ بِلَادِهِ إِلَى نَحْوِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ الْقِتَالِ فَيَكُونُ حُكْمُ قِتَالِهِ كَحُكْمِهِ لَوْ كَانَ مُقِيمًا لَمْ يَسِرْ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ فِي وَقْتِ غَزْوِهِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَرَّزَ مِنْ مَكْرِهٍ فِي طَلَبِ غِرَّةٍ وَانْتِهَازِ فُرْصَةٍ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يكون بأهبة القتال مستعدا لحرب فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَصَاعِدًا مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، ففرض جهاده

<<  <  ج: ص:  >  >>