للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اخْتِلَافِ حَالَيْنِ، لَا يَتَعَارَضُ فِيهِمَا كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ وَهُوَ إِنْ وَقَعَتْ عَيْنُ الْقَاصِدِ عَلَى الْمَقْصُودِ قَبْلَ دُخُولِهِ قَدَّمَ السَّلَامَ عَلَى الِاسْتِئْذَانِ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ، وَإِنْ لَمْ تَقَعْ عَيْنُهُ عَلَيْهِ قَدَّمَ الِاسْتِئْذَانَ عَلَى السَّلَامِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ، فَعَلَى هَذَا إِذَا أُمِرَ أَنْ يَبْتَدِئَ بِالسَّلَامِ فَسَلَّمَ، فَهَلْ يَكُونُ سَلَامُهُ اسْتِئْذَانًا أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَكُونُ اسْتِئْذَانًا، وَيَكُونُ رَدُّهُ إِذْنًا، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ هَذَا السَّلَامُ وَاجِبًا وَإِعَادَتُهُ بَعْدَ الوجوب أدب

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَكُونُ اسْتِئْذَانًا، وَلَا يَكُونُ رَدُّهُ إِذْنًا فَعَلَى هَذَا يَكُونُ هَذَا السَّلَامُ مَسْنُونًا، قَدْ سَقَطَتْ بِهِ سُنَّةُ السَّلَامِ بَعْدَ الْإِذْنِ:

(فَصْلٌ)

: وَأَمَّا رَدُّ السَّلَامِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْأَقْسَامِ فَضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ السَّلَامُ عَلَى وَاحِدٍ، وَيَكُونَ رَدُّهُ فَرْضًا مُتَعَيِّنًا عَلَى ذَلِكَ الْوَاحِدِ، سَوَاءٌ كَانَ السَّلَامُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ

وَقَالَ عَطَاءٌ: يَجِبُ رَدُّهُ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَلَا يَجِبُ رَدُّهُ عَلَى الْكَافِرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى اسْتِوَائِهِمَا فِي وُجُوبِ الرَّدِّ عَلَيْهِمَا، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الرَّدِّ عُمُومُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: ٨٦]

وَفِي هَذِهِ التَّحِيَّةِ تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا الدُّعَاءُ.

وَالثَّانِي: السَّلَامُ.

وَفِي قَوْلِهِ: {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رَدُّوهَا} تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا لِلْمُسْلِمِ أَوْ رُدُّوا مِثْلَهَا عَلَى الْكَافِرِ.

وَالثَّانِي: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا بِالزِّيَادَةِ عَلَى الدُّعَاءِ أَوْ رُدُّوهَا بِمِثْلِهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ السَّلَامُ عَلَى جَمَاعَةٍ فَرَدُّهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ عَلَى تِلْكَ الْجَمَاعَةِ، فَأَيُّهُمْ تَفَرَّدَ بِالرَّدِّ سَقَطَ فَرْضُهُ عَنِ الْبَاقِينَ، وَكَانَ الْمُرَادُ مِنْهُمْ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِثَوَابِ رَدِّهِ دُونَهُمْ، وَإِنْ أَمْسَكُوا عَنْهُ حَرِجُوا أَجْمَعِينَ، وَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْهُمْ بِرَدِّ غَيْرِهِمْ.

فَأَمَّا صِفَةُ السَّلَامِ وَصِفَةُ الرَّدِّ، فَهُوَ مُخْتَلَفٌ بِاخْتِلَافِ المسلم والمراد، وَذَلِكَ ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ السَّلَامُ بَيْنَ مسلمين وفصفته مِنَ الْمُبْتَدِئِ بِالسَّلَامِ، أَنْ يَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، سواء كان السلام على واحدا أَوْ عَلَى جَمَاعَةٍ، لِأَنَّ لَفْظَ الْجَمْعِ يَتَوَجَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>