للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُمْ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ فَرْضُهُ عَلَيْهِمْ، فَمَأْثَمُ تَرْكِهِ فِيهِمْ أَغْلَظُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: ٧٥] فَيَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ لِمَنْ عَلِمَ بِحَالِهِ مِنَ الْأَقَارِبِ وَالْأَجَانِبِ أَنْ يُمْسِكُوا عَنْهُ حَتَّى يَقُومَ بِهِ أَحَدُهُمْ، فَيَسْقُطُ فَرْضُهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: يَجُوزُ لِلْأَجَانِبِ أَنْ يُفَوِّضُوا أَمْرَهُ إِلَى الْأَقَارِبِ فَإِنْ أَمْسَكَ عَنْهُ الْأَقَارِبُ شَارَكَهُمْ فِي فَرْضِهِ الْأَجَانِبُ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِ الْمَيِّتِ إِلَّا وَاحِدٌ تَعَيَّنَ فَرْضُهُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يُوجَدَ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَقُومُ بِهِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فَرْضُ الْقِيَامِ بِهِ فِي الْغُسْلِ وَالتَّكْفِينِ وَالصَّلَاةِ وَالدَّفْنِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يُوجَدَ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَقُومُ بِمُوَارَاتِهِ فَيَكُونُ فِيمَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ مِنْ فرضه بين خيارين:

إما أن تنفرد بِمُوَارَاتِهِ وَإِمَّا أَنْ يُخْبِرَ بِهِ مَنْ يَقُومُ بِمُوَارَاتِهِ، فَيَسْقُطُ فَرْضُ التَّعْيِينِ، وَيَبْقَى فَرْضُ الْكِفَايَةِ عَلَى الْمُخْبِرِ وَالْمُخْبَرِ حَتَّى يُوَارِيَهُ أَحَدُهُمْ فَتَصِيرُ هَذِهِ الْمُوَارَاةُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فِي الْعُمُومِ، وَمِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ فِي الْخُصُوصِ.

(فَصْلٌ)

: أَمَّا طلب العلم فعلى أربعة أقسام:

أحدهما: مَا تَعَيَّنَ فَرْضُهُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ وَهُوَ مَا لَا يَخْلُو مُكَلَّفٌ مِنْ وُجُوبِ فَرْضِهِ عليه، كالطهارة والصلاة الصيام، فَيَلْزَمُهُ الْعِلْمُ بِوُجُوبِهِ وَصِفَةِ أَدَائِهِ عَلَى تَفْصِيلِهِ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ " عَلِّمُوهُمُ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعٍ " فَلَمَّا أَمَرَ بِتَعْلِيمِ مَنْ لَمْ يَلْزَمْهُ الْفَرْضُ كَانَ تَعْلِيمُ مَنْ لَزِمَهُ أَوْلَى، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَعْرِفَ أَحْكَامَ الْحَوَادِثِ فِيهَا، لِأَنَّهَا عَارِضَةٌ وَإِنَّمَا يَلْتَزِمُ الرَّاتِبَ مِنْ شُرُوطِهَا.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا يَتَعَيَّنُ فَرْضُ الْعِلْمِ بِوُجُوبِهِ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ، وَيَتَعَيَّنُ فَرْضُ الْعِلْمِ بِأَحْكَامِهِ عَلَى بَعْضِ الْمُكَلَّفِينَ دُونَ جَمِيعِهِمْ، وَهُوَ الزَّكَاةُ وَالْحَجُّ، لِأَنَّ فَرْضَهُمَا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ، وَيَتَعَيَّنُ عَلَى بَعْضِهِمْ، فَتَعَيَّنَ فَرْضُ الْحُكْمِ عَلَى مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فَرْضُ الْفِعْلِ، فَيَكُونُ فَرْضُ الْعِلْمِ بِوُجُوبِهِ عَامًّا، وَفَرْضُ الْعِلْمِ بِأَحْكَامِهِ خَاصًّا.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا يَتَعَيَّنُ فَرْضُ الْعِلْمِ بِوُجُوبِهِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ فَرْضُ الْعِلْمِ بِأَحْكَامِهِ، وَهُوَ تَحْرِيمُ الزِّنَا، وَالرِّبَا وَالْقَتْلِ، وَالْغَصْبِ وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، فَيَلْزَمُهُمُ الْعِلْمُ بِتَحْرِيمِهِ، لِيَنْتَهُوا عَنْهُ، وَلَا يَلْزَمُهُمُ الْعِلْمُ بِأَحْكَامِهِ إِذَا فُعِلَ، لِأَنَّهُمْ مُنْتَهُونَ عَنْهُ.

وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: مَا كَانَ فَرْضُ الْعِلْمِ بِهِ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَهُوَ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ مِنْ أُصُولٍ وَفُرُوعٍ وَنَوَازِلَ، لِقَوْلِ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة: ١٢٢] . فِيهِ تَأْوِيلَانِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>