للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالثَّانِي: أَنَّهُ جَعَلَ قَبُولَ الْجِزْيَةِ مَشْرُوطًا بِالْكِتَابِ، فَاقْتَضَى انْتِفَاؤُهَا عَنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ.

وَرَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ " فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ، إِلَّا مَا خَصَّهُ دَلِيلٌ. وَلِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - امْتَنَعَ مِنْ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنَ الْمَجُوسِ لِشَكِّهِ فِيهِمْ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، حَتَّى أَخْبَرَهُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ وَقَالَ: " سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ " وَقَالَ رَجُلٌ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " عَجِبْتُ مِنْ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنَ الْمَجُوسِ، وَلَيْسَ لَهُمْ كِتَابٌ فَقَالَ عَلِيٌّ: كَيْفَ تَعْجَبُ وَقَدْ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ فَبَدَّلُوا، فَأُسْرَى بِهِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مُشْرِكٍ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ حُرْمَةُ الْكِتَابِ لَمْ يَجُزْ قَبُولُ جِزْيَتِهِ كَالْعَرَبِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا مَنَعَ الشِّرْكُ مِنْهُ فِي الْعَرَبِ مُنِعَ مِنْهُ الْعَجَمُ كَالْمَنَاكِحِ وَالذَّبَائِحِ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ ضَعِيفٌ، نَقَلَهُ أَهْلُ الْمَغَازِي وَلَمْ يَنْقُلْهُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ.

وَالثَّانِي: حَمْلُهُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ بِدَلِيلِنَا

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْحَدِيثِ الثَّانِي فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَكْثَرَ السَّرَايَا كَانَتْ إِلَى أَهْلِ الْكِتَابِ.

وَالثَّانِي: حَمْلُهُ بِأَدِلَّتِنَا عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ فَالْمَعْنِيُّ فِيهِمْ مَا ثَبَتَ لَهُمْ مِنْ حُرْمَةِ كِتَابِهِمْ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى حَقٍّ فِي اتِّبَاعِهِ، وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي غَيْرِهِمْ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، وَقَوْلُهُمْ: إِنَّهَا صَغَارٌ فَكَانَتْ بِعَبَدَةِ الأوثان أحق.

[(مسألة)]

: قال الشافعي: " وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَهْلَ كِتَابٍ قُوتِلُوا حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ فَإِنْ لَمْ يُعْطُوا قُوتِلُوا وَقُتِلُوا وَسُبِيَتْ ذَرَارِيهِمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَأَمَوَالُهُمْ وَدِيَارُهُمْ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يُوَافِقُونَ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ فِي حُكْمَيْنِ وَيُفَارِقُونَهُمْ فِي حُكْمَيْنِ فَأَمَّا الْحُكْمَانِ فِي الِاتِّفَاقِ:

فَأَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُ أَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا يَجُوزُ قَتْلُ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ.

وَالثَّانِي: يَجُوزُ سَبْيُ أَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا يَجُوزُ سَبْيُ عَبَدَةِ الأوثان.

<<  <  ج: ص:  >  >>