للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَمَّا الْحُكْمَانِ فِي الِافْتِرَاقِ فَأَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُهَا مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ تُسْتَبَاحُ مَنَاكِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَذَبَائِحُهُمْ وَلَا يُسْتَبَاحُ ذَلِكَ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ اسْتِوَاءُ الْفَرِيقَيْنِ فِي وُجُوبِ الْقِتَالِ، وَاخْتِلَافُهُمَا فِي الْكَفِّ عَنْهُمْ

فَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ فَيَجِبُ قِتَالُهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ، فَإِنْ أَسْلَمُوا أَوْ بَذَلُوا الْجِزْيَةَ، وَجَبَ الْكَفُّ عَنْهُمْ وَإِنِ امْتَنَعُوا مِنْهَا وَجَبَ قِتَالُهُمْ حَتَّى يُقْتَلُوا.

وَأَمَّا عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ فَيَجِبُ قِتَالُهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا، فَإِنْ أَسْلَمُوا وَجَبَ الْكَفُّ عَنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا وَجَبَ قِتَالُهُمْ حَتَّى يُقْتَلُوا، وَالْفَرِيقَانِ فِي الْمُهَادَنَةِ سَوَاءٌ، إِنْ دَعَتْ إِلَيْهَا حَاجَةٌ هُودِنُوا، وَإِنْ لَمْ تَدْعُ إِلَيْهَا حَاجَةٌ لَمْ يُهَادَنُوا.

(مَسْأَلَةٌ)

: قال الشافعي: " وَكَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ فَيْئًا بَعْدَ السَّلَبِ لِلْقَاتِلِ في الأنفال قال ذلك الإمام أو لم يقله لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نفل أبا قتادة يوم حنين سلب قتيله وما نفله إياه إلا بعد تقضي الحرب ونفل محمد بن مسلمة سلب مرحب يوم خيبر ونفل يوم بدر عددا ويوم أحد رجلا أو رجلين أسلاب قتلاهم وما علمته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حضر محضرا قط فقتل رجل قتيلا في الأقتال إلا نفله سلبه وقد فعل ذلك بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أبو بكر وعمر رضي الله عنهما "

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يُرِيدُ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا مَا غَنِمَ مِنْ أَهْلِ أَمْوَالِ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ يَكُونُ بَعْدَ تَخْمِيسِهِ لِلْغَانِمِينَ، وَسَمَّاهُ فَيْئًا، وَإِنْ كَانَ بِاسْمِ الْغَنِيمَةِ أَخَصُّ لِرُجُوعِهِ إِلَى أَوْلِيَاءِ اللَّهِ.

فَيَبْدَأُ الْإِمَامُ مِنَ الْغَنَائِمِ بِأَسْلَابِ الْقَتْلَى فَيَدْفَعُ سَلَبَ كُلِّ قَتِيلٍ إِلَى قَاتِلِهِ، سَوَاءٌ شَرَطَهُ الْإِمَامُ أَمْ لَمْ يَشْرُطْهُ

وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ شَرَطَهُ الْإِمَامُ كَانَ لَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَشْرُطْهُ كَانُوا فِيهِ أُسْوَةَ الْغَانِمِينَ احْتِجَاجًا بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَيْسَ لِأَحَدٍ إِلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إِمَامِهِ " وَدَلِيلُنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سلبه " وروى عمرو بْنُ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ " وَرُوِيَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ قَتِيلًا فَسَأَلَ عَنْ قَاتِلِهِ فَقَالُوا: سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ " فَقَالَ: " لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ " وَقَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَوْفَاةً فِي كِتَابِ قِسْمَةِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>