للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ سَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ: يُسْهَمُ لِلْخَيْلِ الْعِتَاقِ وَلَا يُسْهَمُ لِلْبَرَاذِينِ الْهِجَانِ وَيُعْطَى فَارِسُهَا سَهْمُ رَاجِلٍ.

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: يُسْهَمُ لِلْبِرْذَوْنِ الْهَجِينِ نِصْفُ سَهْمِ الْعَرَبِيِّ الْعَتِيقِ، فَيُعْطَى فَارِسُ الْبِرْذَوْنِ سَهْمَيْنِ وَيُعْطَى فَارِسُ الْعَرَبِيِّ الْعَتِيقِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْبَرَاذِينِ وَالْعِتَاقِ بِأَنَّ الْبِرْذَوْنَ يَثْنِي يَدَهُ إِذَا شَرِبَ وَلَا يَثْنِيهَا الْعَتِيقُ؛ احْتِجَاجًا بِأَنَّ الْبَرَاذِينَ لَا تُعْنَى عَنَاءَ الْعِتَاقِ وَالسَّوَابِقِ فِي طَلَبٍ وَلَا هَرَبٍ فَشَابَهَتِ الْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ، وَهَذَا خَطَأٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: ٦٠] فَعَمَّ الْحُكْمُ فِي ارْتِبَاطِ الْخَيْلِ بِمَا يَجْعَلُ مِنْ رَهْبَةِ الْعَدُوِّ بِهَا وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي عُمُومِ الْخَيْلِ وَفِي قَوْلِهِ {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: ٦٠] فِيهِ أَرْبَعَةُ تَأْوِيلَاتٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْقُوَّةَ التَّصَافِي وَاتِّفَاقُ الْكَلِمَةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْقُوَّةَ الثِّقَةُ بِالنَّصْرِ وَالرَّغْبَةُ فِي الثَّوَابِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْقُوَّةَ السِّلَاحُ، قَالَهُ الْكَلْبِيُّ.

وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْقُوَّةَ فِي الرَّمْيِ.

وَرَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: ٦٠] " أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ ثَلَاثًا ".

وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ارْبُطُوا الْخَيْلَ فَإنَ ظُهُورَهَا عِزٌّ وَبَطُونَهَا لَكُمْ كَنْزٌ " فَعَمَّ بِالْخَيْلِ جَمِيعَ الْجِنْسِ؛ وَلِأَنَّ عِتَاقَ الْخَيْلِ أَجْرَى وَأَسْبَقُ، وَبَرَاذِينَهَا أَكَرُّ وَأَصْبَرُ، فَكَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَيْسَ فِي الْآخَرِ فَتَقَابَلَا وَلِأَنَّ عِتَاقَ الْخَيْلِ عِرَابٌ، وَبَرَاذِينَهَا أَعَاجِمُ، وَلَيْسَ يُفَرَّقُ فِي الْفُرْسَانِ بَيْنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، وَكَذَلِكَ الْخَيْلُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ شَدِيدِ الْخَيْلِ وَضَعِيفِهِ فَكَذَلِكَ فِي السَّابِقِ وَالْمُتَأَخِّرِ.

(مَسْأَلَةٌ)

: قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَا يُعْطَى إِلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ كَمَا ذَكَرَ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ: يُسْهَمُ لِفَرَسَيْنِ وَلَا يُسْهَمُ لِأَكْثَرَ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْطَبُ الْوَاحِدُ فَيَحْتَاجُ إِلَى ثَانٍ، فَصَارَ مُعَدًّا لِلْحَاجَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يُسْهَمَ لَهُ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ مَوْجُودٌ فِي الثَّالِثِ: لِأَنَّهُ قَدْ يَعْطَبُ الثَّانِي، وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ أَنْ يُسْهَمَ لِثَالِثٍ، فَكَذَلِكَ الثَّانِي؛ وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَدْ حَضَرَ بِأَفْرَاسٍ فَلَمْ يَأْخُذْ إِلَّا سَهْمَ فَرَسٍ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ حَضَرَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمْ يُعْطُوا إِلَّا سَهْمَ فَرَسٍ وَاحِدٍ، وَبِذَلِكَ جَرَتْ سِيرَةُ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُقَاتِلُ إِلَّا عَلَى فَرَسٍ وَاحِدٍ وَمَا عَدَاهُ زِينَةٌ أَوْ عُدَّةٌ، فَلَمْ يَقَعِ الِاسْتِحْقَاقُ إِلَّا فِي الْمُبَاشِرِ بِالْعَمَلِ كَخِدْمَةِ الزَّوْجَةِ لَمَّا بَاشَرَهَا الْوَاحِدُ، وَكَانَ مَنْ عَدَاهُ زِينَةً، أَوْ عُدَّةً لَمْ يَسْتَحِقَّ إِلَّا نَفَقَةَ خَادِمٍ وَاحِدٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>