للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كانت وقعتهم في آخر الشهر الحرام فتوقفوا فيما صنعوا حتى نزلت {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} وليس مما خالف فيه الأوزاعي في شيء "

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا ذَكَرَ، الْأَوْلَى بِالْإِمَامِ أَنْ يُعَجِّلَ قِسْمَةَ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، إِذَا لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا، فَإِنْ أَخَّرَهَا إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ عذر.

وقال أَبُو حَنِيفَةَ: يُؤَخِّرُ قَسْمَهَا إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَلَا يُقَسِّمْهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: يُعَجِّلُ قِسْمَةَ الْأَمْوَالِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَيُؤَخِّرُ قَسْمَ السَّبْيِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَاسْتَدَلَّ مَنْ مَنَعَ قَسْمَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ بِرِوَايَةِ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَسَّمَ غَنَائِمَ بَدْرٍ بَعْدَ مُقْدَمِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَعْطَى عُثْمَانَ وَطَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ مِنْهَا، وَلِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ حِينَ غَنِمَ ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ بَعْدَ قَتْلِهِ لَمْ يُقَسِّمْ غَنِيمَتَهُ حَتَّى قَدِمَ بِهَا الْمَدِينَةَ، وَكَانَتْ أَوَّلَ مَالٍ غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ.

قَالُوا: وَقَدْ رَوَى مَكْحُولٌ قَالَ: مَا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غَنِيمَتَهُ قَطُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَا يَقُولُ مَكْحُولٌ هَذَا قَطْعًا وَهُوَ تَابِعِيٌّ إِلَّا عَنِ اتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ: قَالُوا: وَلِأَنَّهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ، وَاسْتِدَامَةِ قَبْضَتِهِمْ، فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعُوا مِنْ قَسْمِهَا كَمَا مُنِعُوا مِنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ، وَلِأَنَّهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ مُعَرَّضَةٌ لِلِاسْتِرْجَاعِ فَلَمْ يَجُزْ قَسْمُهَا كَمَا لَوْ كَانَتِ الْحَرْبُ قَائِمَةً.

وَدَلِيلُنَا مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِ أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَفَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ سَيْفَ أَبِي جَهْلٍ بِبَدْرٍ، وَالنَّفْلُ مِنَ الْقَسْمِ.

وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى بَدْرٍ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا حُفَاةً عُرَاةً جِيَاعًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ حُفَاةٌ فَاحْمِلْهُمْ وَعُرَاةٌ فَاكْسُهُمْ وَجِيَاعٌ فَأَشْبِعْهُمْ " فَانْقَلَبَ الْقَوْمُ حَيْثُ انْقَلَبُوا وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْحِمْلُ وَالْحِمْلَانِ، وَقَدْ كَسَاهُمْ، وَأَطْعَمَهُمْ، وَانْقِلَابُهُمْ مِنْ بَدْرٍ بِهَذَا يَكُونُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَسَّمَهَا بِبَدْرٍ.

وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَسَّمَ غَنَائِمَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ يَوْمَ الْمُرَيْسِيعِ عَلَى مِيَاهِهِمْ، وَوَقَفَتْ جُوَيْرِيَةُ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ فَاشْتَرَاهَا مِنْهُ، وَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، وَقَسَّمَ غَنَائِمَ خَيْبَرَ لَهَا، وَعَامَلَ عَلَيْهَا أَهْلَهَا، وَقَسَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ مَعَ السَّبْيِ بِأَوْطَاسَ، وَهُوَ وَادِي حُنَيْنٍ، وَأَعْطَى مِنْهَا الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ، وَقَدْ نَقَلَ أَهْلُ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا غَنِمَ غَنِيمَةً قَطُّ إِلَّا قَسَّمَهَا حَيْثُ غَنِمَهَا، وَلِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ صَحَّتْ فِيهِ الْغَنِيمَةُ لَمْ يُمْنَعْ فِيهِ مِنَ الْقِسْمَةِ كَدَارِ الْإِسْلَامِ، وَلِأَنَّ كُلَّ غَنِيمَةٍ صَحَّ قَسْمُهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ تُكْرَهْ قِسْمَتُهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ كَالثِّيَابِ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَافَقَ عَلَى تَعْجِيلِ قِسْمَتِهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلِأَنَّ فِي تَعْجِيلِ قِسْمَتِهَا فَي دَارِ الْحَرْبِ تَعْجِيلَ الْحُقُوقِ إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>