للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَجُوزُ لِأَهْلِ الْجِهَادِ إِذَا دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ أَنْ يَأْكُلُوا طَعَامَهُمْ، وَيَعْلِفُوا دَوَابَّهُمْ مَا أَقَامُوا فِي دَارِهِمْ، وَلَا يُحْتَسَبُ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ سَهْمِهِمْ، لِرِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: دُلِّيَ جِرَابٌ مِنْ شَحْمِ يَوْمِ خَيْبَرَ، قَالَ فَأَتَيْتُهُ فَالْتَزَمْتُهُ، وَقُلْتُ: لَا أُعْطِي الْيَوْمَ مِنْهُ أَحَدًا شَيْئًا ثُمَّ الْتَفَتُّ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَبْتَسِمُ، فَدَلَّ تَبَسُّمُهُ مِنْهُ وَتَرْكُهُ عَلَيْهِ عَلَى إِبَاحَتِهِ لَهُ.

وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى قَالَ: أَصَبْنَا طَعَامًا يَوْمَ خَيْبَرَ، قَالَ: فَكَانَ الرَّجُلُ يَجِيءُ فَيَأْخُذُ مِنْهُ مِقْدَارَ مَا يَكْفِيهِ وَيَنْصَرِفُ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى إِبَاحَتِهِ، وَلِأَنَّ أزواد المجاهدين تنفذ وَيَصْعُبُ نَقْلُهَا مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ إِلَيْهِمْ، وَلَا يَظْفَرُونَ بِمَنْ يَبِيعُهَا عَلَيْهِمْ فَدَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَى إِبَاحَتِهَا لَهُمْ.

فَإِذَا ثَبَتَ إِبَاحَتُهَا لَهُمْ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ تُعْتَبَرُ الْحَاجَةُ فِي اسْتِبَاحَتِهَا أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، أَنَّ الْحَاجَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي اسْتِبَاحَتِهَا وَأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا وَيَعْلِفُوا دَوَابَّهُمْ، مَعَ الْحَاجَةِ وَالْغِنَى وَالْوُجُودِ وَالْعَدَمِ، وَاعْتِبَارًا بِطَعَامِ الْوَلَائِمِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أبي هريرة إِنَّهُمْ لَا يَسْتَبِيحُونَهُ إِلَّا مَعَ الْحَاجَةِ اعْتِبَارًا بِأَكْلِ الْمُضْطَرِّ مِنْ طَعَامِ غَيْرِهِ هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ إِلَّا عِنْدَ حَاجَتِهِ، وَاعْتِبَارُهُ بِالْمُضْطَرِّ خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُضْطَرَّ لَا يَسْتَبِيحُ إِلَّا عِنْدَ خَوْفِ التَّلَفِ وَهَذَا مُبَاحٌ، وَإِنْ لَمْ يَخَفِ التَّلَفَ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُضْطَرَّ ضَامِنٌ، وَهَذَا غَيْرُ ضَامِنٍ فَافْتَرَقَا.

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ إِبَاحَةِ الْأَكْلِ، جَازَ أَنْ يَأْكُلَ مَا يَقْتَاتُهُ وَمَا يَتَأَدَّمُ بِهِ وَيَتَفَكَّهُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَقْتَصِدُ عَلَى الْأَقْوَاتِ وَحْدَهَا بِاتِّفَاقٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ حُجَّةُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي اعْتِبَارِ الْحَاجَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَدَّخِرَ مِنْهُ إِذَا اتَّسَعَ قَدْرُ مَا يَقْتَاتُهُ مُدَّةَ مُقَامِهِ، فَإِنْ ضَاقَ كَانَ أُسْوَةَ غَيْرِهِ فِيهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَذْبَحَ الْمَوَاشِيَ لِيَأْكُلَهَا، وَلَا يَذْبَحْهَا لِغَيْرِ الْأَكْلِ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَبْحِ الْبَهَائِمِ إِلَّا لِمَأْكَلِهِ.

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّخِذَ جُلُودَهَا حِذَاءً وَلَا سِقَاءً لِاخْتِصَاصِ الْإِبَاحَةِ بِالْأَكْلِ، فَأَشْبَهَ طَعَامَ الْوَلَائِمِ، ولا يجوز أن يعدل عن المأكول وَالْمَشْرُوبِ إِلَى مَلْبُوسٍ وَمَرْكُوبٍ، فَأَمَّا الْأَدْوِيَةُ فَضَرْبَانِ: طلاء ومأكول.

<<  <  ج: ص:  >  >>