للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا عضو أو يسلم أهل الأوثان ويؤدي الجزية أهل الكتاب أو يمن عليهم أو يفاديهم بمال أو بأسرى من المسلمين أو يسترقهم فإن استرقهم أو أخذ منهم فسبيله سبيل الغنيمة أسر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أهل بدر فقتل عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث ومن على أبي عزة الجحمي على أن لا يقاتله فأخفره وقاتله يوم أحد فدعا عليه أن لا يفلت فما أسر غيره ثم أسر ثمامة بن أثال الحنفي فمن عليه ثم أسلم وحسن إسلامه وفدى النبي عليه السلام رجلا من المسلمين برجلين من المشركين ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْأَسْرَى ضَرْبَانِ: ذُرِّيَّةٌ، وَمُقَاتِلَةٌ.

فَأَمَّا الذُّرِّيَّةُ فَهُمُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ، وَيُسْتَرَقُّونَ عَلَى مَا سَيَأْتِي حُكْمُهُ، وَأَمَّا الْمُقَاتِلَةُ فَهُمُ الرِّجَالُ، وَكُلُّ مَنْ بَلَغَ مِنَ الذُّكُورِ فَهُوَ رَجُلٌ، سَوَاءٌ اشْتَدَّ وَقَاتَلَ أَمْ لَا وَيَكُونُ الْإِنْبَاتُ فِيهِمْ بُلُوغًا، أَوْ فِي حُكْمِ الْبُلُوغِ، عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْقَوْلَيْنِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النبيِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَكَّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَحَكَمَ أن مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمَوَاسِي قُتِلَ وَمَنْ لَمْ تَجْرِ عَلَيْهِ اسْتُرِقَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " هَذَا حُكْمُ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ " يعني سبع سموات، وَالْإِمَامُ فِي رِجَالِهِمْ إِذَا أَقَامُوا عَلَى شِرْكِهِمْ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَحْكَامٍ - يَجْتَهِدُ فِيهَا رَأْيَهُ - لِيَفْعَلَ أَصْلَحَهَا، فَيَكُونُ خِيَارَ نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ لَا خِيَارَ شَهْوَةٍ وَتَحَكُّمٍ.

وَخِيَارُهُ فِي الْأَرْبَعَةِ بَيْنَ أن يقتل، أو يستوق أَوْ يُفَادَى عَلَى مَالٍ أَوْ أَسْرَى، أَوْ يَمُنَّ بِغَيْرِ فِدَاءٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: أَنْ يُقْتَلَ: أَوْ يسترق أو يفادى على مال أو أسرى، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمُنَّ.

وَقَالَ مَالِكٌ: يَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: أَنْ يُقْتَلَ، أَوْ يُسْتَرَقَّ، أَوْ يُفَادَى عَلَى مَالٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَادَى بِأَسْرَى، وَلَا أَنْ يَمُنَّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَ شَيْئَيْنِ: أَنْ يُقْتَلَ، أَوْ يُسْتَرَقَّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَادَى، وَلَا أَنْ يَمُنَّ، فَصَارَ الْقَتْلُ وَالِاسْتِرْقَاقُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِمَا، أَمَّا الْقَتْلُ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: ٥] . وَقَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ صَبْرًا يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ: مَنْ لِلصَّبِيَّةِ: فَقَالَ النَّارُ، وَقَتَلَ النَّضِرَ بْنَ الْحَارِثِ يَوْمَ بَدْرٍ صَبْرًا.

وَأَمَّا الِاسْتِرْقَاقُ فَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اسْتَرَقَّ سَبْيَ بَنِي قُرَيْظَةِ وَبَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَهَوَازِنَ يَوْمَ حُنَيْنٍ.

وَأَمَّا الْفِدَاءُ وَالْمَنُّ، فَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُمَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي فِدَاءِ أَسْرَى بَدْرٍ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ، تُرِيدُونَ عَرَضَ

<<  <  ج: ص:  >  >>