للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَدْ فَعَلَ بَعْدَ بَنِي النَّضِيرِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِهِمْ، فَقَطَعَ عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ نَخْلًا، وَقَطَعَ عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ وَهِيَ آخِرُ غَزَوَاتِهِ الَّتِي قَاتَلَ فِيهَا لُزُومًا عَلَى بَقَاءِ الْحُكْمِ فِي قَطْعِهَا وَأَنَّهُ غَيْرُ مَنْسُوخٍ، وَلِأَنَّ حُرْمَةَ النُّفُوسِ أَعْظَمُ وَقَتْلَهَا أَغْلَظُ، فَلَمَّا جَازَ قَتْلُ نُفُوسِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ، كَانَ قَطْعُ نَخْلِهِمْ وَشَجَرِهِمْ عَلَيْهِمْ أَوْلَى، فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِجَوَابِهِ مَا ذَكَرْنَا.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا لَمْ يَخْلُ حَالُ نَخْلِهِمْ وَشَجَرِهِمْ فِي مُحَارَبَتِهِمْ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ نَعْلَمَ أَنْ لَا نَصِلَ إِلَى الظَّفَرِ بِهِمْ إِلَّا بِقَطْعِهَا، فَقَطْعُهَا وَاجِبٌ، لِأَنَّ مَا أَدَّى إِلَى الظَّفَرِ بِهِمْ وَاجِبٌ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَقْدِرَ عَلَى الظَّفَرِ بِهِمْ وَبِهَا مِنْ غَيْرِ قَطْعِهَا، فَقَطْعُهَا مَحْظُورٌ، لِأَنَّهَا مَغْنَمٌ، وَاسْتِهْلَاكُ الْغَنَائِمِ مَحْظُورٌ، وَعَلَى هَذَا حَمْلُ نهي أبي بكر - رضي الله عنه - عَنْ قَطْعِ الشَّجَرِ بِالشَّامِ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَنْفَعَهُمْ قَطْعُهَا وَيَنْفَعَنَا قَطْعُهَا فَقَطْعُهَا مُبَاحٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ.

وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: لَا يَنْفَعُهُمْ قَطْعُهَا وَلَا يَنْفَعُنَا قَطْعُهَا فَقَطْعُهَا مَكْرُوهٌ، وَلَيْسَ بِمَحْظُورٍ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي هَدْمِ مَنَازِلِهِمْ عَلَيْهِمْ، عَلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بأيديهم وأيدي المؤمنين} [الحشر: ٢] وفيه ثلاث تَأْوِيلَاتِ:

أَحَدُهَا: بِأَيْدِيهِمْ فِي نَقْضِ الْمُوَادَعَةِ، وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ بِالْمُقَابَلَةِ، وَهَذَا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ.

وَالثَّانِي: بِأَيْدِيهِمْ فِي إِخْرَابِ دَوَاخِلِهَا، حَتَّى لَا يَأْخُذَهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ، وَبِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فِي إِخْرَابِ ظَوَاهِرِهَا، حَتَّى يَصِلُوا إِلَيْهَا، وَهَذَا قَوْلُ عِكْرِمَةَ.

وَالثَّالِثُ: بِأَيْدِيهِمْ فِي تَرْكِهَا، وَبِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ بِإِجْلَائِهِمْ عَنْهَا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ.

(مَسْأَلَةٌ)

: قال الشافعي: " وَلَكِنْ لَوِ الْتَحَمُوا فَكَانَ يَتَكَامَلُ الْتِحَامُهُمْ أَنْ يفعلوا ذلك رأيت لهم أن يفعلوا وكانوا مأجورين لأمرين أحدهما: الدفع عن أنفسهم والآخر نكاية عدوهم ولو كانوا غير ملتحمين فترسوا بأطفالهم فقد قيل يضرب المتترس منهم ولا يعمد الطفل وقد قيل يكف "

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا ذَكَرَ إِذَا تَتَرَّسَ الْمُشْرِكُونَ بِأَطْفَالِهِمْ لِعِلْمِهِمْ أَنَّ شَرْعَنَا يَمْنَعُ مِنْ تَعَمُّدِ قَتْلِهِمْ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>