للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَتُهُ أَنَّ حُكْمَ الْمُسْتَأْمَنِ وَالذِّمِّيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي تَحْرِيمِ دِمَائِهِمَا كَالْمُسْلِمِ إِنْ تَتَرَّسُوا بِهِمْ يَجِبُ تَوَقِّيهِمْ، كَمَا يَجِبُ تَوَقِّي الْمُسْلِمِ فَإِنْ أُصِيبَ أَحَدُهُمْ قَتِيلًا كَانَ فِي حُكْمِ الْمُسْلِمِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] . وَيَسْتَوِي أَحْكَامُهَا إِلَّا فِي شَيْئَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: الْقَوَدُ لِسُقُوطِهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ.

وَالثَّانِي: قَدْرُ الدِّيَةِ لِاخْتِلَافِهِمَا بالإسلام والكفر، وهما في ما عَدَاهُنَّ سَوَاءٌ، فَإِنْ وَجَبَ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَجَبَا فِي قَتْلِ الذِّمِّيِّ، وَإِنْ وَجَبَ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ الْقَوَدُ وَالْكَفَّارَةُ، وَجَبَ فِي دِيَةِ الذِّمِّيِّ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ، فَإِنْ وَجَبَ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ الْكَفَّارَةُ دُونَ الدِّيَةِ كَانَ الذِّمِّيُّ بِمَثَابَتِهِ يَجِبُ فِي قَتْلِهِ الْكَفَّارَةُ، دُونَ الدِّيَةِ، وَيَسْتَوِي الْمُسْتَأْمَنُ وَالذِّمِّيُّ فِي ضَمَانِهِمَا بِالدِّيَةِ أَوْ بِالْكَفَّارَةِ وَيَفْتَرِقَانِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الذِّمِّيَّ يَلْزَمُنَا دَفْعُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَنْهُ، وَالْمُسْتَأْمَنَ لَا يَلْزَمُنَا دَفْعُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَنْهُ، وبالله التوفيق.

[(مسألة)]

: قال الشافعي: " وَلَوْ أَدْرَكُونَا وَفِي أَيْدِينَا خَيْلُهُمْ أَوْ مَاشِيَتُهُمْ لَمْ يَحِلَّ قَتْلُ شَيْءٍ مِنْهَا وَلَا عَقْرُهُ إلا أن يذبح لمأكله ولو جاز ذلك لغيظهم بقتلهم طلبنا غيظهم بقتل أطفالهم ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا غَنِمْنَا خَيْلَهُمْ وَمَوَاشِيَهُمِ ثُمَّ أَدْرَكُونَا وَلَمْ نَقْدِرْ عَلَى دَفْعِهِمْ عَنْهَا جَازَ تَرْكُهَا عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَجُزْ قَتْلُهَا وَعَقْرُهَا طَلَبًا لِغَيْظِهِمْ، أَوْ قَصْدًا لِإِضْعَافِهِمْ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ قَتْلُهَا وَعَقْرُهَا لِإِحْدَى حَالَتَيْنِ، إِمَّا لِغَيْظِهِمْ، وَإِمَّا لِإِضْعَافِهِمُ احْتِجَاجًا بِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَا أَفْضَى إِلَى إِضْعَافِهِمْ جَازَ اسْتِهْلَاكُهُ عَلَيْهِمْ كَالْأَمْوَالِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ نَمَاءَ الْحَيَوَانِ لَا يَمْنَعُ مِنْ إِتْلَافِهِ عَلَيْهِمْ كَالْأَشْجَارِ.

وَدَلِيلُنَا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ إِلَّا لِمَأكَلِهِ " وروي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَنَّهُ نَهَى أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ أَوْ تُتَّخَذَ غَرَضًا ".

وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا بِغَيْرِ حَقِّهَا سَأَلَهُ اللَّهُ عَنْ قَتْلِهَا " قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا حَقُّهَا: قَالَ: " أَنْ يَذْبَحَهَا فَيَأْكُلَهَا وَلَا يَقْطَعَ رَأْسَهَا وَيَرْمِيَ بِهَا " وَهَذِهِ أَخْبَارٌ تَمْنَعُ مِنْ عَقْرِهَا وَقَتْلِهَا، وَلِأَنَّ كُلَّ حَيَوَانٍ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ إِذَا قُدِرَ عَلَى اسْتِنْقَاذِهِ لَمْ يَحِلَّ قَتْلُهُ، إِذَا عَجَزَ عَنِ اسْتِنْقَاذِهِ كَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ وَلِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>