للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمهاتهم ولا يوجب إسلامهم موت أمهاتهم " قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَمُقَدِّمَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُسْبي مِنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ لَا يَخْلُو حَالُ سَبْيِهِ، أَنْ يَكُونَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ مُفْرَدًا، فَإِنْ سُبِيَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ كَانَ حُكْمُهُ بَعْدَ السَّبْيِ كَحُكْمِ الْمُسبي مَعَ أَبَوَيْهِ، فَإِنْ أَسْلَمَ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا كَانَ إِسْلَامًا لَهُ وَلِصِغَارِ أَوْلَادِهِمَا، سَوَاءٌ اجْتَمَعَ الْأَبَوَانِ عَلَى الْإِسْلَامِ أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُسْلِمُ مِنْهُمَا أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ، وَلَا اعْتِبَارَ بِحُكْمِ السَّابِي، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ وَاحِدٌ مِنْ أَبَوَيْهِ كَانَ مُشْرِكًا بِشِرْكِهِمَا، وَلَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ سَابِيهِ، وَلِأَنَّ اعْتِبَارَهُ بِأَحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْلَى مِنَ اعْتِبَارِ سَابِيهِ لِأَجْلِ الْبَعْضِيَّةِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ السَّابِي وَإِنْ كَانَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، وَهَذَا خَطَأٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ".

وَقَالَ مَالِكٌ يَصِيرُ الْوَلَدُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَبِيهِ، وَلَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أُمِّهِ، وَيَكُونُ فِي الدِّينِ تَابِعًا لِسَابِيهِ دُونَ أُمِّهِ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ " فَاعْتَبَرَ حُكْمَهُ بِأَبَوَيْهِ دُونَ سَابِيهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ مِنْ أُمِّهِ يَقِينًا، وَمِنْ أَبِيهِ ظَنًّا، فَلَمَّا صَارَ مُعْتَبَرًا بِأَبِيهِ فَأَوْلَى أَنْ يَصِيرَ مُعْتَبَرًا بِأُمِّهِ،

(فَصْلٌ)

: فَأَمَّا إِذَا سُبِيَ الصَّغِيرُ وَحْدَهُ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ سَابِيهِ، وَيَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِهِ، لِأَنَّ الطِّفْلَ لَا بُدَّ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي الدِّينِ بِغَيْرِهِ، إِذْ لَيْسَ يَصِحُّ مَعَ عَدَمِ التَّكْلِيفِ أَنْ يُعْتَبَرَ بِنَفْسِهِ، فَإِذَا ثَبَتَ اعْتِبَارُهُ بِالسَّابِي فِي جَرَيَانِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ، قَطْعًا فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، كَمَا يَصِيرُ بِأَحَدِ أَبَوَيْهِ مُسْلِمًا، فَإِنْ بَلَغَ وَوَصَفَ الشِّرْكَ لَمْ يُقِرَّ عَلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيُّ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلِ جُمْهُورِ الْبَغْدَادِيِّينَ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ، تَغْلِيبًا لِحُكْمِ السَّابِي، فَإِنْ بَلَغَ وَصَفَ الشِّرْكَ أُقِرَّ عَلَيْهِ بَعْدَ إِرْهَابِهِ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْبَصْرِيِّينَ، كَمَا يُعْتَبَرُ إِسْلَامُ اللَّقِيطِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِحُكْمِ الدَّارِ، فَيَكُونُ مُسْلِمًا فِي الظَّاهِرِ، تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الدَّارِ، فَإِنْ بَلَغَ وَوَصَفَ الشِّرْكَ أُقِرَّ عَلَيْهِ بَعْدَ إِرْهَابِهِ.

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ فِي أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ إِذَا سُبُوا صِغَارًا، فمتى أجرينا

<<  <  ج: ص:  >  >>