للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِنَسَبِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ يَرِثُ جَمِيعَ الْمَالِ كَالْأَبِ أَوْ بَعْضَهُ كَالْأُمِّ، لِرِوَايَةِ الشَّعْبِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَتَبَ إِلَى شُرَيْحٍ أَنْ لَا يُوَرِّثَ حَمِيلًا حَتَّى تَقُومَ بِهِ بَيِّنَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ".

وَرَوَى الزُّهْرِيُّ قَالَ: جَمَعَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَاسْتَشَارَهُمْ فِي الْحَمِيلِ، فَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يُوَرَّثُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَلِأَنَّ مُعْتِقَهُ قَدْ مَلَكَ وَلَاءَهُ عَنِ الرِّقِّ الَّذِي لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ إِزَالَةَ مَا اسْتَحَقَّهُ مِنَ الْمِلْكِ فَكَذَلِكَ إِذَا أُعْتِقَ لَا يَمْلِكُ إِزَالَةَ مَا اسْتَحَقَّهُ مُعْتِقُهُ بِوَلَائِهِ مِنَ الْإِرْثِ. فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ لَوْ أَقَرَّ الْحُرُّ بِأَخٍ، وَلَهُ عَمٌّ قُبِلَ إِقْرَارُهُ، وَإِنْ حَجَبَ الْأَخُ الْعَمَّ فَهَلَّا كَانَ إِقْرَارُهُ بِالنَّسَبِ مَعَ الْوَلَاءِ مَقْبُولًا كَذَلِكَ، قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ النَّسَبَ يَرِثُ بِهِ وَيُوَرَّثُ، فَزَالَتِ التُّهْمَةُ، وَالْوَلَاءُ لَا يَرِثُ بِهِ وَلَا يُوَرَّثُ، فَلَحِقَتِ التُّهْمَةُ.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الْمَقْبُولُ: فَهُوَ أَنْ يُقِرَّ بِنَسَبٍ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْمِيرَاثَ، كَالْخَالِ وَالْجَدِّ مِنَ الْأُمِّ فَمَقْبُولٌ مِنْهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهِ حَقُّ مُعْتِقِهِ مِنَ الْمِيرَاثِ.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ: فَهُوَ أَنْ يُقِرَّ بِنَسَبٍ يَسْتَحِقُّ بِهِ الْمِيرَاثَ، وَيَمْلِكُ اسْتِحْدَاثَ مِثْلِهِ كَإِقْرَارِهِ بِابْنٍ أَوْ بِنْتٍ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ثُبُوتِ نَسَبِهِ بِإِقْرَارِهِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ إِقْرَارَهُ بِنَسَبِهِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، تَشْهَدُ بِهِ، كَالنَّسَبِ الَّذِي لَا يَمْلِكُ اسْتِحْدَاثَ مِثْلِهِ لِعُمُومِ مَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ مِنَ الْمَنْعِ مِنْ تَوْرِيثِ الْحَمِيلِ، وَلِمَا جَمَعَهُمَا التَّعْلِيلُ مِنْ إِسْقَاطِ الْمِيرَاثِ بِالْوَلَاءِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَقْبَلُ إِقْرَارَهُ بِبَيِّنَةٍ بِخِلَافٍ مَا لَا يَمْلِكُ اسْتِحْدَاثَ مِثْلِهِ، لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ مِنْ مَلَكَ اسْتِحْدَاثَهُ جَازَ أَنْ يَمْلِكَ الْإِقْرَارَ بِهِ أَوْلَى.

وَالثَّانِي: أَنَّ وَلَدَهُ يَدْخُلُ فِي وَلَاءِ مُعْتِقِهِ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ أَبُوهُ فَافْتَرَقَا.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَقْبَلُ إِقْرَارَهُ بِمَنْ وُلِدَ بَعْدَ عِتْقِهِ، وَلَا يَقْبَلُ إِقْرَارَهُ بِمَنْ وُلِدَ قَبْلَ عِتْقِهِ، لِأَنَّهُ بَعْدَ الْعِتْقِ يَمْلِكُ اسْتِحْدَاثَ مِثْلِهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ، وَلَا يَمْلِكُ قَبْلَ الْعِتْقِ اسْتِحْدَاثَ مِثْلِهِ إِلَّا عَنْ إِذْنٍ فَافْتَرَقَا، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>