للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَدْخُلُوا فِيهِ مَعَ الْمُبَدِّلِينَ كَطَوَائِفَ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ، فَيَكُونُوا كَالدَّاخِلِ فِيهِ بَعْدَ النَّسْخِ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يُشْكِلَ حَالُ دُخُولِهِمْ فِيهِ هَلْ كَانَ مَعَ الْمُبَدِّلِينَ أَوْ مَعَ غَيْرِ الْمُبَدِّلِينَ؟ أَوْ يُشْكِلَ هَلْ دَخَلُوا قَبْلَ التَّبْدِيلِ أَوْ بَعْدَ التَّبْدِيلِ كَتَنُوخَ وَبَهْرَاءَ وَبَنِي تَغْلِبَ، فَهَؤُلَاءِ قَدْ وَقَفَهُمُ الْإِشْكَالُ بَيْنَ أَصْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يُوجِبُ حَقْنَ دِمَائِهِمْ وَاسْتِبَاحَةَ نِكَاحِهِمْ كَالدَّاخِلِ فِيهِ مَعَ غَيْرِ الْمُبَدِّلِينَ.

وَالثَّانِي: يُوجِبُ إِبَاحَةَ دِمَائِهِمْ، وَحَظْرَ مَنَاكِحِهِمْ كَالدَّاخِلِ فِيهِ مَعَ الْمُبَدِّلِينَ، فَوَجَبَ أَنْ يَغْلِبَ فِي الْأَصْلَيْنِ مَعًا حُكْمُ الْحَظْرِ دُونَ الْإِبَاحَةِ، فَيُقَرُّوا بِالْجِزْيَةِ حَقْنًا لِدِمَائِهِمْ، لِأَنَّ أَصْلَ الدِّمَاءِ عَلَى الْحَظْرِ، وَلَا تُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ، وَلَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ، لِأَنَّ أَصْلَ الْفُرُوجِ عَلَى الْحَظْرِ، وَالْحَظْرُ تَعْيِينٌ، وَالْإِبَاحَةُ شَكٌّ، فَغَلَبَ حُكْمُ الْيَقِينِ عَلَى الشَّكِّ، وَصَارُوا فِي ذَلِكَ كَالْمَجُوسِ فَهَذَا حُكْمُ الْكِتَابِ الْمَشْهُورِ، وَالدِّينِ الْمَعْرُوفِ.

(فَصْلٌ)

: وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي: وَهُوَ مَنِ ادَّعَى كِتَابًا غَيْرَ مَشْهُورٍ، وَدِينًا غَيْرَ مَعْرُوفٍ كَالزُّبُرِ الْأُولَى، وَالصُّحُفِ الْمُتَقَدِّمَةِ.

فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ لَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمْ يُقَرُّوا عَلَى دِينِهِمْ وَإِنْ تَحَقَّقْنَا كِتَابَهُمْ.

وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُمْ يُقَرُّونَ عَلَى دِينِهِمْ وَتُحْفَظُ حُرْمَةُ كِتَابِهِمْ، فَلَا يَخْلُو حَالُهُمْ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أحدهما: أن يتحقق صدقهم، يعرف كِتَابُهُمْ، فَيَكُونُوا كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي إِقْرَارِهِمْ بِالْجِزْيَةِ، وَاسْتِبَاحَةِ مَنَاكِحِهِمْ، وَأَكْلِ ذَبَائِحِهِمْ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَتَحَققوا كَذِب قَوْلِهِمْ، وَأَنْ لَا كِتَابَ لَهُمْ، فَيَكُونُوا كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ فِي اسْتِبَاحَةِ دِمَائِهِمْ، وَحَظْرِ مَنَاكِحِهِمْ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَحْتَمِلَ مَا قَالُوهُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، وَلَيْسَ عَلَى أَحَدِهِمَا دَلِيلٌ يُقْطَعُ بِهِ، فَلَا يُقْبَلُ فِيهِمْ قَوْلُ كُفَّارِهِمْ.

فَإِنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ عَدَدٌ يَكُونُ خَبَرُهُمْ مُسْتَفِيضًا حُكِمَ بِقَوْلِهِمْ فِي ثُبُوتِ كِتَابِهِمْ وَإِقْرَارِهِمْ بِالْجِزْيَةِ عَلَى دِينِهِمْ، وَاسْتِبَاحَةِ مَنَاكِحِهِمْ.

وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ خَبَرُهُ مُسْتَفِيضًا مُتَوَاتِرًا، وَلَمْ يُعْلَمْ قَوْلُهُمْ إِلَّا مِنْهُمْ فِي حَالِ كُفْرِهِمْ، فَيُقَرُّونَ بِالْجِزْيَةِ، لِأَنَّهَا مَالٌ بَذَلُوهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْنَا أَخْذُهُ، وَأَصْلُ الدِّمَاءِ عَلَى الْحَظْرِ، فَلَا يَحِلُّ لنا قتلهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>