للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معهم الْجِزْيَةُ، فَعَلَى هَذَا يُصَمِّمُ أَمِيرُ الْجَيْشِ عَلَى حِصَارِهِنَّ حَتَّى يُسْبَيْنَ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: تَنْعَقِدُ مَعَهُنَّ الذِّمَّةُ بِمَا بَذَلْنَهُ مِنَ الْجِزْيَةِ وَيَحْرُمُ سَبْيُهُنَّ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ إِقْرَارُهُنَّ بِالْجِزْيَةِ تَبَعًا كَانَ إِقْرَارُهُنَّ بِمَا بَذَلْنَهُ مُنْفَرِدَاتٍ أَوْلَى، فَعَلَى هَذَا هَلْ تَلْزَمُهُنَّ الْجِزْيَةُ بِبَذْلِهِنَّ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَشَارَ إِلَيْهِمَا ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ:

أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُنَّ أَدَاؤُهَا بَعْدَ إِعْلَامِهِنَّ عِنْدَ عَقْدِهَا أَنَّهُنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا فَإِنِ امْتَنَعْنَ مِنْ بَذْلِهَا بَعْدَ لُزُومِهَا خَرَجْنَ عَنِ الذِّمَّةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُنَّ أَدَاؤُهَا وَتَكُونُ كَالْهَدِيَّةِ تُؤْخَذُ مِنْهُنَّ إِذَا أَجَبْنَ إِلَيْهَا، وَلَا تُؤْخَذُ إِذَا امْتَنَعْنَ مِنْهَا، وَهَلْ عَلَى ذِمَّتِهِنَّ فِي حَالَتَيِ الْإِجَابَةِ وَالْمَنْعِ.

وَإِذَا اجْتَمَعَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، فَبَذَلَ الرجال الجزية عن أنفسهم ونساءهم نُظِرَ.

فَإِنْ بَذَلُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ جَازَ، وَلَزِمَهُمْ مَا بَذَلُوهُ، وَجَرَى مَجْرَى زِيَادَةٍ بَذَلُوهَا مِنْ جِزْيَتِهِمْ، وَلَا يُؤْخَذُ الرِّجَالُ إِلَّا بِجِزْيَةِ أَنْفُسِهِمْ دُونَ نِسَائِهِمْ.

(فَصْلٌ)

: وَأَمَّا الْمَجَانِينُ فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ لِارْتِفَاعِ الْقَلَمِ عَنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ فِي جُمْلَةِ الذَّرَارِي وَلَا يُقْتَلُ الْمَجْنُونُ إِذَا سُبِيَ، هَذَا إِذَا كَانَ جُنُونُهُ مُطْبِقًا، فَأَمَّا إِذَا جُنَّ فِي زَمَانٍ، وَأَفَاقَ فِي زَمَانٍ، فَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُرَاعَى فِيهِ أَغْلَبُ حَالَتَيْهِ.

فَإِنْ كان المجنون أَكْثَرَ، فَلَا جِزْيَةَ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ، فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ.

وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ يُلَفَّقُ زَمَانُ الْإِفَاقَةِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ حَوْلًا، فَإِنْ كَانَ يُجَنُّ يَوْمًا وَيُفِيقُ يَوْمًا أُخِذَتْ مِنْهُ جِزْيَةُ سَنَةٍ مِنْ سَنَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ يَوْمَيْنِ وَيُفِيقُ يَوْمًا أُخِذَتْ مِنْهُ جِزْيَةُ سَنَةٍ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ، وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ يَوْمًا، وَيُفِيقُ يَوْمَيْنِ أُخِذَتْ مِنْهُ جِزْيَةُ سَنَةٍ مِنْ سَنَةٍ وَنِصْفٍ، ثُمَّ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ، لِأَنَّهُ لَمَّا اخْتَلَفَ حُكْمُ الْإِفَاقَةِ، وَحُكْمُ الْجُنُونِ كَانَ تَمَيُّزُهَا أَوْلَى مِنْ تَغْلِيبِ أَحَدِهِمَا، لِأَنَّ فِي التَّمْيِيزِ جَمْعًا بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ وَفِي تَغْلِيبِ الْأَكْثَرِ إِسْقَاطُ أَحَدِهِمَا.

(فَصْلٌ)

: وَأَمَّا الْعَبِيدُ، فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ

لَا جِزْيَةَ عَلَى الْعَبِيدِ.

وَقَالَ عُمَرُ: لَا جِزْيَةَ عَلَى مَمْلُوكٍ.

وَلِأَنَّهُمْ تَبَعٌ لساداتهم، لوأنهم لَا يَمْلِكُونَ، فَكَانُوا أَسْوَأَ حَالًا مِنَ الْفُقَرَاءِ، وَلِأَنَّهُمْ مَمَالِيكُ، فَكَانُوا كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَكَذَا لَا جِزْيَةَ عَلَى مُدَبَّرٍ، وَلَا مُكَاتَبٍ، وَلَا أُمِّ وَلَدٍ، لِأَنَّهُمْ عَبِيدٌ، وَلَا جِزْيَةَ عَلَى مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ مَمْلُوكٌ، لِأَنَّ أَحْكَامَ الرِّقِّ عَلَيْهِ أَغْلَبُ.

وَقِيلَ: إِنَّهُ يُؤَدِّي مِنَ الْجِزْيَةِ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنَ الْحُرِّيَّةِ، لِأَنَّهُ يُمْلَكُ بِهَا، فَإِذَا عَتَقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>