للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " هَذَا حُكْمُ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ ".

وَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ بُلُوغًا فِيهِمْ كَالسِّنِّ وَالِاحْتِلَامِ، أَوْ يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى بُلُوغِهِمْ، فِيهِ قَوْلَانِ مَضَيَا.

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا، وَبَلَغَ الصَّبِيُّ، وَأُعْتِقَ الْعَبْدُ، وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ نُظِرَ.

فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ: فَقَدْ سَاوَوْا أَهْلَ دِينِهِمْ فِي حَوْلِ جِزْيَتِهِمْ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي تَضَاعِيفِ الْحَوْلِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ قَدْ مَضَى مِنَ الْحَوْلِ نِصْفُهُ قِيلَ لَهُمْ: لَا يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَأْنَفَ لَكُمْ حَوْلٌ غَيْرُ حَوْلِ أَهْلِ دِينِكُمْ لِأَنَّهُ شَاقٌّ، وَأَنْتُمْ بِالْخِيَارِ إِذَا حَالَ حَوْلُ الْجَمَاعَةِ وَقَدْ مَضَى لَكُمْ مِنَ الْحَوْلِ نِصْفُهُ بَيْنَ أَنْ تُعْطُوا جِزْيَةَ نِصْفِ سَنَةٍ ثُمَّ يُسْتَأْنَفُ لَكُمُ الْحَوْلُ مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَبَيْنَ أَنْ تَتَعَجَّلُوا جِزْيَةَ سَنَةٍ حَتَّى تُؤْخَذَ مِنْكُمْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ جِزْيَةُ نِصْفِ سَنَةٍ، وَبَيْنَ أَنْ تَسْتَنْظِرُوا بِجِزْيَةِ نِصْفِ هَذِهِ السَّنَةِ حَتَّى تُؤْخَذَ مِنْكُمْ مَعَ جِزْيَةِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ إِذَا تَمَّتْ جِزْيَةُ سَنَةٍ وَنِصْفٍ فَأَيُّ هذه الثلاثة سألوها أجيبوا إليها.

[(مسألة)]

: قال الشافعي: " وَتُؤْخَذُ مِنَ الشَّيْخِ الْفَانِي وَالزَّمِنِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى إِبَاحَةِ قَتْلِ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ، وَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي إِبَاحَةِ قَتْلِ الرُّهْبَانِ، وَأَصْحَابِ الصَّوَامِعِ، وَالْأَعْمَى وَمَنْ لَا نَهْضَةَ فِيهِ مِنَ الشُّيُوخِ وَالزَّمْنَى الَّذِينَ لَا يُقَاتِلُونَ إِمَّا لِتَعَبُّدٍ كَالرُّهْبَانِ أَوْ لِعَجْزٍ كَالشَّيْخِ الْفَانِي، فَفِي جَوَازِ قَتْلِهِمْ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ قَتْلُهُمْ، لِأَنَّهُمْ مِنْ جِنْسٍ مُبَاحِ الْقَتْلِ، وَلِأَنَّهُمْ كَانَ رَأْيُهُمْ، وَتَدْبِيرُهُمْ أَضَرَّ عَلَيْنَا مِنْ قِتَالِ غَيْرِهِمْ، فَعَلَى هَذَا لَا يُقَرُّونَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إِلَّا بِجِزْيَةٍ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ، لِأَنَّ الْقَتْلَ لِلْكَفِّ عَنِ الْقِتَالِ، وَقَدْ كَفُّوا أَنْفُسَهُمْ عَنْهُ، فَلَمْ يُقْتَلُوا، فَعَلَى هَذَا يُقَرُّونَ بِغَيْرِ جِزْيَةٍ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فَصَارَ فِي إِقْرَارِهِمْ بِغَيْرِ جِزْيَةٍ قَوْلَانِ.

(فَصْلٌ)

: فَأَمَّا يَهُودُ خَيْبَرَ، فَالَّذِي عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ أَنَّهُمْ مِمَّنْ أُخِذَ الْجِزْيَةُ مِنْهُمْ كَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ تَظَاهَرُوا فِي هَذَا الزَّمَانِ بِأَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي كِتَابٍ نَسَبُوهُ إِلَيْهِ أَسْقَطُوا بِهِ الْجِزْيَةَ عَنْ نُفُوسِهِمْ، وَلَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ رُوَاةِ الْأَخْبَارِ، وَلَا مِنْ أَصْحَابِ الْمَغَازِي، وَلَمْ أَرَ لِأَحَدٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ فِي إِثْبَاتِهِ قَوْلًا غَيْرَ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ - فَإِنَّهُ - جَعَلَ مُسَاقَاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي نَخْلِ خَيْبَرَ حِينَ افْتَتَحَهَا، وَقَوْلُهُ لَهُمْ: " أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ " أَمَانًا، وَجَعْلَهُمْ بِالْمُسَاقَاةِ خَوَلًا، وَأَنَّ بِهَذَيْنِ سَقَطَتِ الْجِزْيَةُ عَنْهُمْ، وَهَذَا قَوْلٌ تَفَرَّدَ بِهِ لَا أَعْرِفُ لَهُ مُوَافِقًا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ الْأَمَانُ مُوجِبًا لِسُقُوطِ الْجِزْيَةِ، لِأَنَّهَا تَجِبُ بِالْأَمَانِ، فَلَمْ تَسْقُطْ

<<  <  ج: ص:  >  >>