للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالنَّجَاسَةُ ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: مَا اسْتَوَى حُكْمُ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ وَبُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِهِ وَهُوَ الْغَائِطُ، وَالْبَوْلُ وَالْخَمْرُ، وَمَا لَا يَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهُ

وَقَالَ أبو حنيفة: يعني عَنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ، فَمَا دُوَنَهُ قَالَ: لِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ يَسِيرَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يُعْفَى عَنْهَا قِيَاسًا عَلَى أَثَرِ الِاسْتِنْجَاءِ

وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ وَقْتُ الصَّلَاةِ بَاقِيًا أَعَادَ الصَّلَاةَ فِي قَلِيلِ النَّجَاسَةِ، وَكَثِيرِهَا وَإِنْ فَاتَ لَمْ يُعِدْ فِي قَلِيلِ النَّجَاسَةِ وَكَثِيرِهَا

وَاسْتَدَلَّ بِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَّى فَرَأَى فِي ثَوْبِهِ لُمَعًا مِنْ نجاسةٍ فَبَعَثَ بِهِ إِلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِتَغْسِلَهُ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَعَادَ صَلَاتَهُ

وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى: عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الظَّوَاهِرِ هُوَ أَنَّهَا نَجَاسَةٌ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهَا فَوَجَبَ أَنْ لَا يُعْفَى عَنْهَا

أَصْلُهُ مَعَ أبي حنيفة مَا زَادَ عَلَى الدِّرْهَمِ وَمَعَ مَالِكٍ مَا لَمْ يَخْرُجِ الْوَقْتُ، وَلِأَنَّ التَّطْهِيرَ إِذَا أَمْكَنَ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ فِي مَحَلٍّ لَمْ يَجُزِ الْعَفْوُ عَنْهُ عَنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ كَأَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ فِي الْحَدَثِ

فَأَمَّا قِيَاسُ أبي حنيفة عَلَى أَثَرِ الِاسْتِنْجَاءِ فَغَيْرُ جَائِزٍ، لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ عِنْدَهُ غَيْرُ وَاجِبٍ فَكَيْفَ يَكُونُ أَصْلًا لِوَاجِبٍ، لِأَنَّ الْحَرَامَ لَا يَجُوزُ أَنْ يقنص مِنْ أَصْلِ حَلَالٍ، وَلَا الْحَلَالُ مِنْ أَصْلِ حَرَامٍ عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ مَخْصُوصٌ بِالرُّخْصَةِ مَعْدُولٌ عَنْ حُكْمِ النَّجَاسَةِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَكَيْفَ قَدَّرَهُ أبو حنيفة بِالدِّرْهَمِ، وَقَدْ يَخْتَلِفُ عَلَى اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي خِلْقَتِهِمْ وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ مِنَ الْخَبَرِ فَفِيهِ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَقْضِ الصَّلَاةَ فِي الْحَالِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَضَاهَا بَعْدَ زَمَانٍ، لِأَنَّ تَعْجِيلَ الْقَضَاءِ عَلَى الْفَوْرِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يُعِدْ، لأنه يَعْلَمِ النَّجَاسَةَ إِلَّا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالْإِعَادَةُ عِنْدَنَا فِي مَثْلِهِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ أَفْسَدَ مَذْهَبَهُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُزَنِيُّ مِنْ أَنْ لَا يَعْدُوَ مَنْ صَلَّى بِنَجَاسَتِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُؤَدِّيًا فَرْضَهُ، أَوْ غَيْرَ مُؤَدٍّ وَلَيْسَ ذَهَابُ الْوَقْتِ بِمُزِيلٍ عَنْهُ فَرْضًا لَمْ يُؤَدِّهِ وَلَا إِمْكَانُ الْوَقْتِ بِمُوجِبٍ عَلَيْهِ إِعَادَةَ فَرْضٍ قَدْ أَدَّاهُ

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مِنَ النَّجَاسَةِ مَا عُفِيَ عَنْ قَلِيلِهِ وَلَمْ يُعْفَ عَنْ كَثِيرِهِ، وَذَلِكَ مِثْلُ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَمَاءِ الْقُرُوحِ، وَالْبُثُورِ، وَالْمِدَّةِ إِذَا لَمْ يَخْتَلِطْ كُلُّ ذَلِكَ بِدَمٍ، لِأَنَّ فِي التَّحَرُّزِ مِنْ قَلِيلِ ذَلِكَ مَشَقَّةٌ غَالِبَةٌ، فَأَمَّا سَائِرُ الدِّمَاءِ سِوَى دَمِ الْبَرَاغِيثِ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا أَحَدُهَا كَالْأَبْوَالِ لَا يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا لِدَفْعِ الْمَشَقَّةِ فِي التَّحَرُّزِ مِنْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>