للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: لَا يُمْنَعُونَ مِنْ رُكُوبِهَا كَمَا لَمْ يُمْنَعُوا مِمَّا سِوَاهَا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُمْنَعُونَ مِنْ رُكُوبِهَا، لِأَنَّهَا رُبَّمَا صَارَتْ قُوَّةً لَهُمْ تَدْعُوهُمْ إِلَى نَقْضِ الْعَهْدِ، فَخَالَفَتْ بِذَلِكَ مَا سِوَاهَا، ثُمَّ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ هَذَا مِنْ حُكْمِهِمْ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ الَّتِي فُتِحَتْ عَنْوَةً وَصُلْحًا ما قد مضى شرحه.

[(مسألة)]

: قال الشافعي: " وَيَكْتُبُ الْإِمَامُ أَسْمَاءَهُمْ وَحُلَاهُمْ فِي دِيوَانٍ وَيُعَرِّفُ عَلَيْهِمْ عُرَفَاءَ لَا يَبْلُغُ مَوْلُودٌ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِمْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِهِمْ إِلَّا رَفَعَهُ إِلَيْهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ مَوْضُوعٌ لِلتَّأْبِيدِ، فَاحْتَاجَ إِلَى دِيوَانٍ يُفْرَدُ لَهُ، وَقَدْ سُمِّيَ دِيوَانَ الْجَوَالِي، لِأَنَّهُمْ أُجْلُوا عَنِ الْحِجَازِ، فَسُمُّوا جَوَالِيَ، وَهَذَا الدِّيوَانُ مَوْضُوعٌ فِيهِمْ لِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَذْكُرَ فِيهِ عَقْدُ ذِمَّتِهِمْ، وَمَبْلَغُ مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ مِنْ قَدْرِ جِزْيَتِهِمْ، وَمَا شُرِطَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْأَحْكَامِ، لِيُحْمَلُوا عَلَيْهَا فِيمَا عَلَيْهِمْ، وَلَهُمْ مِمَّنْ تَوَلَّاهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَذِكْرُ الْإِمَامِ احْتِيَاطٌ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكْتُبَ فِيهِ اسْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَيَرْفَعَ فِي نَسَبِهِ وَقَبِيلَتِهِ، وَصِنَاعَتِهِ حَتَّى يَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهِ، وَيَذْكُرَ حِلْيَةَ بَدَنِهِ الَّتِي لَا تَتَغَيَّرُ بِالْكِبَرِ كَالطُّولِ وَالْقِصَرِ، وَالْبَيَاضِ، وَالسُّمْرَةِ، وَالسَّوَادِ، وَحِلْيَةَ الْوَجْهِ وَالْأَعْضَاءِ، لِيَتَمَيَّزَ إِنْ وَافَقَ اسْمٌ اسْمًا، وَيَذْكُرَ فِيهِ الذُّكُورَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ دُونَ الْإِنَاثِ، لِاعْتِبَارِ الْجِزْيَةِ بِبُلُوغِ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ وَإِنْ وُلِدَ لِأَحَدِهِمْ مَوْلُودٌ أَثْبَتَهُ، وَإِنْ مَاتَ مِنْهُمْ مَيِّتٌ أَسْقَطَهُ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يُثْبِتَ فِيهِ مَا أَدَّوْهُ مِنَ الْجِزْيَةِ، لِيُعْلَمَ بِهِ مَا بَقِيَ وَمَا اسْتُوْفِيَ، وَيَكْتُبَ لَهُمْ بِالْأَدَاءِ بَرَاءَةً يَكْتُبُ اسْمَ الْمُؤَدِّي، وَنَسَبَهُ، وَحِلْيَتَهُ، لِيَكُونَ حُجَّةً لَهُ تَمْنَعُ مِنْ مُطَالَبَتِهِ، وَيُخْتَارُ أَنْ يَكُونَ حَوْلُ الْجِزْيَةِ مُعْتَبَرًا بِالْمُحَرَّمِ، لِأَنَّهُ أَوَّلُ السَّنَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَتُعْتَبَرُ فِيهِ السَّنَةُ الْهِلَالِيَّةُ كَمَا تُعْتَبَرُ فِي الزَّكَاةِ.

(فَصْلٌ)

: وَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ حُكْمِ دِيوَانِهِمْ عَرَّفَ الْإِمَامُ عَلَيْهِمُ العرفاء وضم إلى كل عريف قوما معينين أَثْبَتَ مَعَهُمُ اسْمَ عَرِّيفِهِمْ فِي الدِّيوَانِ وَيَكُونُوا عَدَدًا يَضْبُطُهُمُ الْعَرِّيفُ الْوَاحِدُ فِيمَا نُدِبَ لَهُ.

وَالْعَرِّيفُ مَنْدُوبٌ لِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَعْرِفَ حَالَ مَنْ وُلِدَ فِيهِمْ، فَيُثْبِتَهُ، وَحَالَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ، فَيُسْقِطَهُ، وَمَنْ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنْ غَرِيبٍ وَمِنْ مُسَافِرٍ عَنْهُمْ، وَمُقِيمٍ، وَيُثْبِتُ جَمِيعَ ذَلِكَ فِي دِيوَانِهِمْ.

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْ قَامَ بِهَذَا مِنَ الْوَفَاءِ إِلَّا مُسْلِمًا يقبل خبره.

<<  <  ج: ص:  >  >>