للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بَابُ الْمُهَادَنَةِ عَلَى النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ وَنَقْضِ مَا لا يجوز من الصلح)

[(مسألة)]

: قال الشافعي رحمه الله تعالى: " إِنْ نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ بِقُوَّةِ عَدُوٍّ عَلَيْهِمْ وَأَرْجُو أَنْ لَا يُنْزِلَهَا اللَّهُ بِهِمْ هَادَنَهُمُ الْإِمَامُ عَلَى النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ إِلَى مُدَّةٍ يَرْجُو إِلَيْهَا الْقُوَّةَ عَلَيْهِمْ لَا تُجَاوِزُ مُدَّةَ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ الَّتِي هَادَنَهُمْ عَلَيْهَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَهِيَ عَشْرُ سِنِينَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْمُهَادَنَةُ، فَهِيَ الْمُسَالَمَةُ وَالْمُوَادَعَةُ عَنْ عَهْدٍ يَمْنَعُ مِنَ الْقِتَالِ وَالْمُنَافَرَةِ، وَقَدْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ فَرْضِ الْجِهَادِ مَنَعَ مِنْهَا بِقَوْلِهِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥١] وَجَعَلَ غَايَةَ أَمْرِهِمْ فِي قَتْلِهِمْ أَنْ يسلموا، فقال {فإن تابوا} الْآيَةَ ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ إِنْ لَمْ يُسْلِمُوا فَقَالَ تَعَالَى: {قاتلوا الذين} إِلَى قَوْلِهِ: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] فَكَانَ هَذَا بَعْدَ قُوَّةِ الْإِسْلَامِ لَكِنْ بِهَا تُؤْخَذُ جِزْيَتُهُمْ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذِنَ فِي مُهَادَنَتِهِمْ وَمُسَالَمَتِهِمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا، فَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: ٦١] .

وَقَالَ تَعَالَى: {إلا الذين عاهدتم} إِلَى قَوْلِهِ {عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} [التوبة: ٤] ، فَوَادَعَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَهُودَ بَنِي النَّضِيرِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ، وَبَنِي قَيْنُقَاعَ بِالْمَدِينَةِ لِيَكُفُّوا عَنْ مَعُونَةِ الْمُشْرِكِينَ، وَيَكُونُوا عَوْنًا لِلْمُسْلِمِينَ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ عُهُودِهِ حَتَّى نَقَضُوا الْعَهْدَ، فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ نَقَضَ عَهْدَهُ مِنْهُمْ بَنُو قَيْنُقَاعَ فِي مَعُونَةِ قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ، وَأَظْفَرَهُ اللَّهُ بِهِمْ، وَأَرَادَ قتلهم، فسأله أبي بن سَلُولَ فِيهِمْ، وَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةِ دَارِعٍ وَأَرْبَعَمِائَةِ حَاسِرٍ فَنَفَاهُمْ إِلَى أَذْرِعَاتَ مِنَ الشَّامِ.

ثُمَّ نَقَضَ بَنُو النَّضِيرِ عُهُودَهُمْ بَعْدَ أُحُدٍ؛ لِأَنَّهُمْ هَمُّوا أَنْ يَفْتِكُوا بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَسَارَ إِلَيْهِمْ، وَأَظْفَرَهُ اللَّهُ بِهِمْ، فَأَجْلَاهُمْ إِلَى أَرْضِ خَيْبَرَ.

ثُمَّ نَقَضَ بَنُو قُرَيْظَةَ عُهُودَهُمْ بِمَعُونَةِ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَامَ الْخَنْدَقِ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ فَأَظْفَرَهُ اللَّهُ بِهِمْ وَحَكَمَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَحَكَمَ بِسَبْيِ الذَّرَارِيِّ، وَقَتْلِ مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمَوَاسِي، فَقَتَلَهُمْ، وَكَانُوا سَبْعَمِائَةِ رَجُلٍ.

ثُمَّ هَادَنَ قُرَيْشًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَفِيهِ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {إِلا الذين

<<  <  ج: ص:  >  >>