للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَدِّهِنَّ تَوَقُّعًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِنَّ حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: ١٠] الْآيَةَ. وَالَّتِي بَعْدَهَا، فَامْتَنَعَ حِينَئِذٍ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من ردهن، ومن رد النساء كلهن وولم يَمْتَنِعْ مِنْ رَدِّ الرِّجَالِ؛ لِوُقُوعِ الْفَرْقِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّ الرِّجَالَ أَثْبَتُ مِنَ النِّسَاءِ، وَأَقْدَرُ عَلَى التَّوْبَةِ إِنْ أُكْرِهُوا عَلَى الْكُفْرِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّ النِّسَاءَ ذَوَاتَ الْأَزْوَاجِ يَحْرُمْنَ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ مِنَ الْكُفَّارِ، ولا يقدرون عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُمْ وَالرِّجَالُ بِخِلَافِهِنَّ، فَلِهَذَيْنِ وَقَعَ الْفَرْقُ فِي الرَّدِّ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَرَّدَ الرِّجَالَ، وَلَمْ يَرُدَّ النِّسَاءَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ)

: وَنَحْنُ نَبْدَأُ بِشَرْحِ مَا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ مِنْ تَفْسِيرٍ وَفِقْهٍ.

أَمَّا قَوْله تَعَالَى: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} [الممتحنة: ١٠] فَفِيمَا يُمْتَحَنُ بِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: بِأَنْ يَشْهَدْنَ بِأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: بِمَا فِي السُّورَةِ مِنْ قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: ١٢] الْآيَةَ.، ثُمَّ قَالَ: {اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} [الممتحنة: ١٠] يَعْنِي بِمَا فِي قُلُوبِهِنَّ؛ لِأَنَّ الِامْتِحَانَ يُعْلَمُ بِهِ ظَاهِرُ إِيمَانِهِنَّ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ ظَاهِرَهُ وَبَاطِنَهُ، ثُمَّ قال تعالى: {فإن علمتموهن مؤمنات} يَعْنِي بِالِامْتِحَانِ، {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: ١٠] يَعْنِي تَمْنَعُوهُنَّ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى الْكُفَّارِ مِنْ أَهْلِيهِنَّ وَأَزْوَاجِهِنَّ {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ} [الممتحنة: ١٠] يَعْنِي أَنَّ الْمُسْلِمَةَ لَا تَحِلُّ لِكَافِرٍ بِحَالٍ {وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: ١٠] فِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَعْنِي أَنَّ الْكُفَّارَ لَا يَحِلُّونَ لِلْمُسْلِمَاتِ بِحَالٍ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَعْنِي أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ كَافِرَةٍ وَثَنِيَّةٍ، وَلَا مُرْتَدَّةٍ، ثم قال تعالى {وآتوهم ما أنفقوا} يعني مهورهن، وفيمن تُدْفَعُ إِلَيْهِ مُهُورُهُنَّ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَزْوَاجُهُنَّ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِيهِنَّ، فَعَلَى هَذَا يُدْفَعُ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ إِنْ كُنَّ قَدْ أخذنه منهم، ولم يُدْفَعُ إِنْ لَمْ يَأْخُذْنَهُ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِلَى كُلِّ طَالِبٍ لَهُنَّ مِنْ زَوْجٍ وَأَهْلٍ وَهُوَ شَاذٌّ.

فَعَلَى هَذَا يُدْفَعُ إِلَى مَنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِطَلَبِهِنَّ مِنْ زَوْجٍ وَأَهْلٍ، سَوَاءٌ أَخَذْنَهُ أَوْ لَمْ يَأْخُذْنَهُ، وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: ١٠] فَلَا يَأْخُذُ مَنْ لَمْ يُنْفِقْ ثُمَّ قَالَ ^ ٠ وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>