للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُجْرِيَهُنَّ فِي الرَّدِّ مُجْرَى الرِّجَالِ؛ لِيَمُنَّ عَلَيْهِنَّ بِرَدِّهِنَّ؛ لِظَنِّهِمْ أَنَّ رَدَّهُنَّ جَائِزٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمَنْعَ مِنْ رَدِّهِنَّ؛ لِيَكُونَ حُجَّةً لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْ الِامْتِنَاعِ، وَإِنْ كَانَ مُمْتَنِعًا مِنْهُ، وَجَعَلَ رَدَّ الْمَهْرِ عَلَى الْأَزْوَاجِ تَوْكِيدًا لِعَقْدِ الْهُدْنَةِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَطْلَقَ فِي شَرْطِ الْعَقْدِ رَدَّ مَنْ أَسْلَمَ؛ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِذِكْرِ النِّسَاءِ فِي رَدٍّ وَلَا مَنْعٍ، فَكَانَ ظَاهِرُ الْعُمُومِ مِنَ الشَّرْطِ اشْتِمَالَهُ عَلَيْهِنَّ مَعَ الرِّجَالِ، وَإِنْ كَانَ تَخْصِيصُهُ مُحْتَمِلًا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى خُرُوجَهُنَّ مِنْ عُمُومِهِ، وَكَذَلِكَ كَانَ مُرَادُ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

وَتَمَسَّكَتْ قُرَيْشٌ بِظَاهِرِ الْعُمُومِ فِي رَدِّ النِّسَاءِ، فَأَظْهَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خروجهن من العموم بما نزل عَلَيْهِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَرَّحَ بِرَدِّهِنَّ فِي شَرْطِ هُدْنَتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِذِكْرِ الرِّجَالِ حَتَّى مَنَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ رَدِّهِنَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَعَلَى هَذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فيوجه اشْتِرَاطِهِ لِرَدِّهِنَّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: إِنَّهُ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ السَّهْوِ، وَلَوْلَا سَهْوُهُ عَنْهُ، لَمَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ، وَقَدْ يَسْهُو كَغَيْرِهِ مِنْ أُمَّتِهِ لَكِنْ لَا يُقِرُّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى خَطَأٍ، فَيَكُونُ مُسَاوِيًا لَهُمْ فِي السَّهْوِ مُبَايِنًا لَهُمْ فِي الْإِقْرَارِ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ عَلَيْهِ اسْتِدْرَاكًا لِسَهْوِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّهُ فَعَلَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِحَظْرِهِ لَكِنْ دَعَتْهُ الضَّرُورَةُ إِلَيْهِ لِمَصْلَحَةِ وَقْتِهِ فِي حَسْمِ الْقِتَالِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ نَحْوَ أَرْبَعَةِ آلَافٍ، وَقَدْ يُفْعَلُ فِي الِاضْطِرَارِ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْعَلَ فِي الِاخْتِيَارِ، فَلَمَّا زَالَتْ ضَرُورَتُهُ مَنَعَ مِنْهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: إِنَّهُ قَدْ كَانَ مُبَاحًا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ أَنْ تُقَرَّ الْمُسْلِمَةُ عَلَى نِكَاحِ كَافِرٍ، وَلِذَلِكَ أَقَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى نِكَاحِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَكَانَ عَلَى كُفْرِهِ إِلَى أَنِ انْتَزَعَهَا مِنْهُ حَتَّى أَسْلَمَ، ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيْهِ، فَلِذَلِكَ شَرَطَ رَدَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ نِسَائِهِمْ عَلَيْهِمْ ثُمَّ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ، وَنَسَخَهُ، فَامْتَنَعَ مِنْهُ وَأَبْطَلَ شَرْطَهُ فِيهِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَذْهَبُكُمْ أنه لا يجوز أن ننسخ السُّنَّةَ إِلَّا السُّنَّةُ، وَالْقُرْآنَ إِلَّا الْقُرْآنُ فَكَيْفَ نَسَخَ السُّنَّةَ هَا هُنَا بِالْقُرْآنِ.

قِيلَ: أَمَّا نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ، فَلَا يَخْتَلِفُ مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَأَمَّا نَسْخُ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تُنْسَخَ السُّنَّةُ بِالْقُرْآنِ فَعَلَى هَذَا سَقَطَ السُّؤَالُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>