للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: لَا يُرَدُّ إِذَا قِيلَ: إِنَّ سَيِّدَ الْأَمَةِ لَا يَسْتَحِقُّهُ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يُرَدُّ إِذَا قِيلَ إِنَّ سَيِّدَ الْأَمَةِ يَسْتَحِقُّهُ، فَإِنْ كَانَ مَا أَدَّتْهُ أَكْثَرَ مِنَ الْقِيمَةِ، لَمْ يَسْتَرْجِعْ فَاضِلَ الْقِيمَةِ مِنْ سَيِّدَهَا، وَإِنْ كَانَ مَا أَدَّتْهُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا اسْتَحَقَّ سَيِّدُهَا تَمَامَ قِيمَتِهَا قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ بَعْدَ ثُبُوتِ الرَّدِّ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.

(فَصْلٌ)

: فَأَمَّا مَنِ ارْتَدَّ بَعْدَ الْهُدْنَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَحِقَ بِهِمْ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْإِمَامِ فِي عقد هدنته من ثلاثة أقسام:

أحدهما: أَنْ يَكُونَ قَدِ اشْتَرَطَ فِيهَا رَدَّ مَنِ ارْتَدَّ إِلَيْهِمْ لِيُؤْخَذُوا بِرَدِّهِ وَتَسْلِيمِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُرْتَدُّ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً، فَإِنِ امْتَنَعُوا مِنْ رَدِّهِ كَانَ نَقْضًا لِهُدْنَتِهِمْ،

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهِ أَنْ لَا يَرُدُّوا مَنِ ارْتَدَّ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمُسِلْمِينَ فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - شَرَطَ ذَلِكَ لِقُرَيْشٍ فِي هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ.

فَأَمَّا الْآنَ فَفِي جَوَازِ اشْتِرَاطِهِ الْهُدْنَةَ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: يجوز الِاقْتِدَاءُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي هُدْنَةِ الْحُدْيَبِيَةِ؛ وَلِأَنَّ الرِّدَّةَ قَدْ أَبَاحَتْ دِمَاءَهُمْ فَسَقَطَ عَنَّا حِفْظُهُمْ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّهُ شَرْطٌ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ هُدْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْحُدَيْبِيَةِ لَمَّا بَطَلَتْ فِي رَدِّ مَنْ أَسْلَمَ بَطَلَتْ فِي تَرْكِ مَنِ ارْتَدَّ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ عَلَيْهَا جَارِيَةٌ.

وَالصَّحِيحُ عِنْدِي مِنْ إِطْلَاقِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ إِنَّهَا تَبْطُلُ فِي تَرْكِ مَنِ ارْتَدَّ مِنَ النِّسَاءِ وَلَا تَبْطُلُ فِي تَرْكِ مَنِ ارْتَدَّ مِنَ الرِّجَالِ كَمَا بَطَلَتْ فِي رَدِّ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ النِّسَاءِ، وَلَمْ تَبْطُلْ فِي رَدِّ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ ذَوَاتِ فُرُوجٍ يَحْرُمُ عَلَى الْكَافِرِ مِنَ الْمُرْتَدَّةِ مِثْلُ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنَ الْمُسْلِمَةِ، وَلَعَلَّ اخْتِلَافَ الْقَوْلَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ.

فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الرَّدِّ كَانَ عَلَيْهِمْ لِتَمْكِينٍ مِنْهُمْ، وَأَنْ لَا يَذُبُّوا عَنْهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ تَسْلِيمُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ مَا الْتَزَمُوهُ فَإِنْ ذَبُّوا عَنْهُمْ، وَلَمْ يُمَكَّنُوا مِنْهُمْ انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ.

وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ الرَّدَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ جَازَ لَهُمْ أَنْ يَذُبُّوا عَنْهُمْ، وَلَا يُمَكَّنُوا مِنْهُمْ، وَكَانُوا فِيهِ عَلَى عَهْدِهِمْ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ عَهْدُ الْهُدْنَةِ مُطْلَقًا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ رَدُّ مَنِ ارتد إليهم، ولإقراره مَعَهُمْ، فَإِطْلَاقُهُ يُوجِبُ رَدَّ مَنِ ارْتَدَّ مِنَّا، وَلَا يُوجِبُ رَدَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ إِطْلَاقَهُ مُوجِبٌ لِإِمْضَاءِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ فِيهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ أَعْلَى، فَكَانَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ بِمَعْنًى، فَيَلْزَمُهُمُ التَّمَكُّنُ مِنْهُمْ، وَلَا يَلْزَمُهُمْ تَسْلِيمُهُمْ، فَإِنْ ذَبُّوا عَنْهُمْ، وَلَمْ يُمَكَّنُوا انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ، فَصَارَتْ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّ إِلَيْهِمْ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ ثَلَاثَةً تَنْقَسِمُ عَلَى أَحْكَامٍ ثَلَاثَةٍ:

<<  <  ج: ص:  >  >>