للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بَابُ الْحُكْمِ فِي الْمُهَادَنِينَ وَالْمُعَاهَدِينَ وَمَا أُتْلِفَ مِنْ خَمْرِهِمْ وَخَنَازِيرِهِمْ وَمَا يَحِلُّ مِنْهُ وَمَا يرد)

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسِّيَرِ أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمَّا نَزَلَ الْمَدِينَةَ وَادَعَ يَهُودَ كَافَّةً عَلَى غير جزية وأن قول الله عز وجل: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} إنما نزلت فيهم ولم يقروا أن يجري عليهم الحكم وقال بعضهم نزلت في اليهوديين اللذين زنيا وهذا أشبه بقول الله عز وجل {وكيف يحكمونك وعندهم التوراة} الآية (قال) وليس للإمام الخيار في أحد من المعاهدين الذين يجري عليهم الحكم إذا جاؤوه في حد لله تعالى وعليه أَنْ يُقِيمَهُ لِمَا وَصَفْتُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تعالى {وهم صاغرون) {قال المزني) رحمه الله هذا أشبه من قوله في كتاب الحدود لا يحدون وأرفعهم إلى أهل دينهم ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَقَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي مَوَاضِعَ شَتَّى.

وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَنْ خَالَفَ دِينَ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الْأَمَانِ صِنْفَانِ: أَهْلُ ذِمَّةٍ وَأَهْلُ عَهْدٍ، فَأَمَّا أَهْلُ الْعَهْدِ إِذَا تَحَاكَمُوا إِلَيْنَا، فَحَاكِمُنَا بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ أَنْ يَمْتَنِعَ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: ٤٢] فَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيمَنْ وَادْعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةَ قَبْلَ فَرْضِ الْجِزْيَةِ، فَكَانُوا أَهْلَ عَهْدٍ لَا ذِمَّةَ لَهُمْ، وَاخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ نَزَلَتْ عَامَّةً أَوْ عَلَى سَبَبٍ، فَالَّذِي عَلَيْهِ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهَا نَزَلَتْ عَامَّةً؛ لِغَيْرِ سَبَبٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ زَنَيَا، فَكَانَ سَبَبُهَا خَاصًّا وَحُكْمُهَا عَامًّا، فَإِنْ حَكَّمَا حَاكِمَنَا بَيْنَهُمْ كَانُوا مُخَيَّرِينَ بَيْنَ الْتِزَامِهِ، وَبَيْنَ رَدِّهِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَجَمَ الْيَهُودِيَّيْنِ الزَّانِيَيْنِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا أَنْكَرَا الرَّجْمَ.

قِيلَ: لَهُمْ كَانَ الْإِنْكَارُ لِوُجُوبِ الرَّجْمِ فِي الشَّرْعِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ امْتِنَاعًا مِنَ الْتِزَامِ حُكْمِهِ.

وَأَمَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ، فَفِي وُجُوبِ الْحُكْمِ إِذَا تَحَاكَمُوا إِلَيْنَا قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهُمْ كَأَهْلِ الْعَهْدِ يَكُونُ حَاكِمُنَا فِي الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ مُخَيَّرًا، وهم في

<<  <  ج: ص:  >  >>