للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ صَيْدِ الْبَازِي، فَقَالَ: مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ، فَكُلْ. قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنِ الصَّيْدِ إِذَا رَمَيْتُهُ، فَقَالَ: إِذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ، فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، فَإِنْ وَجَدْتَهُ قَدْ قَتَلْتَهُ، فَكُلْهُ إِلَّا أَنْ تَجِدَهُ قَدْ وَقَعَ فِي ماءٍ، فَمَاتَ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُكَ.

وَقَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ سَهْمِ الْمِعْرَاضِ، فَقَالَ: ما أصاب بجده فَكُلْ، وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ، فَهُوَ وقيزٌ ". وَهَذَا الْحَدِيثُ يَسْتَوْعِبُ إِبَاحَةَ الصَّيْدِ بِجَمِيعِ آلَتِهِ.

(فَصْلٌ:)

وَإِنْ ثَبَتَ إِبَاحَةُ الصَّيْدِ جَازَ صَيْدُهُ بِجَمِيعِ الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ مِنْ ضَوَارِي الْبَهَائِمِ كَالْكَلْبِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ، وَكَوَاسِرِ الطَّيْرِ كَالْبَازِي وَالصَّقْرِ وَالْعُقَابِ وَالنَّسْرِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: كل الصيد يجمعها إِلَّا بِالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن عمر، مجاهد، وَالسُّدِّيُّ: لَا يَحِلُّ إِلَّا صَيْدُ الْكَلْبِ وَحْدَهُ، ويحرم الِاصْطِيَادُ بِمَا عَدَاهُ؛ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ) {المائدة: ٤) ، وَاسْتَدَلَّ الْحَسَنُ بِرِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أمةٌ مِنَ الْأُمَمِ؛ لَأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا، فَاقْتُلُوا مِنَهَا الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ ".

وَفِيمَا قَدَّمْنَاهُ دَلِيلٌ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ؛ وَلِأَنَّ مَا وُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُ التَّعْلِيمِ جَازَ الِاصْطِيَادُ بِهِ، كَالْكَلْبِ الْأَبْيَضِ.

(فَصْلٌ:)

فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ الِاصْطِيَادِ بِجَمِيعِهَا، فَلَا يَخْلُو حَالُ الصَّيْدِ أَنْ يُدْرَكَ حَيًّا أَوْ مَيْتًا، فَإِنْ أُدْرِكَ حَيًّا قَوِيَّ الْحَيَاةِ، فَلَا اعتبار بصفة ما صاره مِنْ مُعَلَّمٍ أَوْ غَيْرِ مُعَلَّمٍ عَنْ إِرْسَالٍ وَاسْتِرْسَالٍ، وَهُوَ حَلَالٌ إِذَا ذُكِّيَ، فَإِنْ فَاتَتْ ذَكَاتُهُ. حَتَّى مَاتَ، فَهُوَ حَرَامٌ، وَإِنْ أَدْرَكَ الصَّيْدَ مَيْتًا اعْتَبَرَ فِي إِبَاحَةِ أَكْلِهِ تَكَامُلَ خَمْسَةِ شُرُوطٍ إِذَا تَكَامَلَتْ حَلَّ، وَإِذَا لَمْ تَتَكَامَلْ حَرُمَ.

أَحَدُهَا: أَنْ يَسْتَرْسِلَ الْجَارِحُ عَنْ أَمْرِ مُرْسِلِهِ، فَإِنِ اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا أمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} فَلَمْ يُحِلَّ مَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرْسِلُ مِمَّا تَحِلُّ ذَكَاتُهُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا تَحِلُّ ذَكَاتُهُ حَرُمَ؛ لِأَنَّ إِرْسَالَهُ كَالذَّكَاةِ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا يَغِيبَ عَنْ عَيْنِ مُرْسِلِهِ، فَإِنْ غَابَ عَنْ عَيْنِ مُرْسِلِهِ لَمْ يَحِلَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْدُثُ بَعْدَ مَغِيبِهِ مَا يَمْنَعُ مِنْ إِبَاحَتِهِ.

وَالرَّابِعُ: أَنْ لَا يُشْرِكَهُ فِي قَتْلِهِ مَنْ لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ، وَإِنْ شَرَكَهُ فِيهِ لَمْ يَحِلَّ.

وَالْخَامِسُ: أَنْ يكون الجارح المرسل معلماً: لقوله تعالى: {تُعَلِّمُونَهُمْ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ} فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَلَّمٍ لَمْ يَحِلَّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>