للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَذَهَبَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ وَأَكْثَرُ الْبَغْدَادِيِّينَ إِلَى أَنَّهُ قَدْ صَحَّ، وَثَبَتَ، وَأَنَّ فِي إِبَاحَةِ أَكْلِهِ قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ.

وَالثَّانِي: وَهُوَ الْمَوْقُوفُ عَلَى صِحَّتِهِ الْخَبَرُ أَنَّهُ مَأْكُولٌ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ كَانَ مُقِيمًا عَلَى اتِّبَاعِهِ وَطَلَبِهِ حَتَّى وَجَدَهُ مَيْتًا أُكِلَ، وَإِنْ تَرَكَهُ وَتَشَاغَلَ عَنْهُ، ثُمَّ وَجَدَهُ مَيْتًا لَمْ يُؤْكَلْ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ عَلَى طَلَبِهِ يَصِلُ إِلَى ذَكَاتِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَلَا يَصِلُ إِلَيْهَا مَعَ التَّرْكِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ وَجَدَهُ فِي يَوْمِهِ أُكِلَ، وَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ يَوْمِهِ لَمْ يُؤْكَلْ، وَفِيمَا نَكْرَهُ مِنْ تَوْجِيهِ الْقَوْلَيْنِ دَلِيلٌ عَلَيْهِمَا فِي مُخَالَفَةِ الْقَوْلَيْنِ، فَإِذَا قُلْنَا بِالْأَوَّلِ إِنَّهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ فَوَجْهُهُ مَا رَوَاهُ عِكْرِمَةُ أَنَّ رَجُلًا أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي أَرْمِي، فَأُصْمِي وَأُنْمِي، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: " كُلْ مَا أَصْمَيْتَ، وَدَعْ مَا أَنْمَيْتَ " يُرِيدُ بِمَا أَصْمَى مَا قَتَلَهُ، وَهُوَ يَرَاهُ، وَبِمَا أَنْمَى مَا غَابَ عَنْهُ، فَلَمْ يَرَهُ حَتَّى نَمَى إِلَيْهِ، خَبَرُ مَوْتِهِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ مَعَ الْغَيْبَةِ أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ مِنْ عَقْرِهِ، فَيَحِلَّ، وَأَنْ يَكُونَ بِغَيْرِهِ مِنَ الْأَسْبَابِ، فَيَحْرُمَ وَجَبَ أَنْ يُغَلَّبَ حُكْمُ التَّحْرِيمِ.

وَإِذَا قُلْنَا فِي الثَّانِي: إِنَّهُ مَأْكُولٌ، فَوِجْهَتُهُ مَعَ الْخِبْرَيْنِ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَرَّ بِالرَّوْحَاءِ فَإِذَا هُوَ بِحِمَارٍ وَحْشِيٍّ عَقِيرٍ فِيهِ سهمٌ قَدْ مَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دَعُوهُ حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُهُ "، فَجَاءَ رجلٌ مِنْ فِهْرٍ، فَقَالَ: هِيَ رَمْيَتِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكُلُوهُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَبَا بَكَرٍ أَنْ يُقَسِّمَهُ بَيْنَ الرِّفَاقِ، وَهُمْ مُحْرِمُونَ "، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا غَابَ لَمْ يَحْرُمْ؛ وَلِأَنَّ حُكْمَ عَقْرِهِ بِالسَّهْمِ، وَالْكَلْبِ ثَابِتٌ، فَلَمْ يَجُزِ الْعُدُولُ عَنْهُ؛ بِتَجْوِيزِ غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ جَرَحَ حَيَوَانًا فَمَاتَ قَبْلَ انْدِمَالِ جُرْحِهِ، كَانَ ضَامِنًا لِقِيمَتِهِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَمُوتَ بِغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَرَحَ إِنْسَانًا فَمَاتَ كَانَ مَأْخُوذًا بِالْقَوَدِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَحْدُثَ بَعْدَ جُرْحِهِ سَبَبٌ يَمُوتُ بِهِ إِثْبَاتًا لِحُكْمِ النَّفْيِ. وَإِسْقَاطًا لِحُكْمِ الشَّكِّ، كَذَلِكَ حُكْمُ الصَّيْدِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوبًا إِلَى عَقْرِهِ الْمُتَحَقِّقِ دُونَ مَا يَطْرَأُ مِنْ شَكٍّ يَجُوزُ.

(مَسْأَلَةٌ:)

قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " وَإِذَا أَدْرَكَ الصَّيْدَ وَلَمْ يَبْلُغْ سِلَاحُهُ أَوْ مُعَلَّمُهُ مَا يَبْلُغُ الذَّبْحُ فَأَمْكَنَهُ أَنْ يَذْبَحَهُ فَلَمْ يَفْعَلْ فَلَا يَأَكُلْ كَانَ مَعَهُ مَا يَذْبَحُ بِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْكَ أَنْ تَذْبَحَهُ وَمَعَكَ مَا تُذَكِّيهِ بِهِ وَلَمْ تُفَرِّطْ حَتَى مَاتَ فَكُلْ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ.

إِذَا رَمَى صَيْدًا، فَجَرَحَهُ أَوْ أَرْسَلَ عَلَيْهِ كَلْبَهُ، فَعَقَرَهُ، وَمَاتَ مِنْ غَيْرِ ذَكَاتِهِ، فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

<<  <  ج: ص:  >  >>