للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ بِمَا بَقِيَ فِيهِ مِنَ الْعَدْوِ وَالطَّيَرَانِ يَمْتَنِعُ بِهِ عَنْ أَنْ تَنَالَهُ الْأَيْدِي، فَلَا يَمْلِكُهُ الْجَارِحُ، وَيَكُونُ بَاقِيًا عَلَى حُكْمِ امْتِنَاعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنَ الْقُوَّةِ إِلَّا هَذَا الْقَدْرَ لَكَانَ بِهَا مُمْتَنِعًا.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَمْتَنِعَ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنَ الْعَدْوِ وَالطَّيَرَانِ عَنِ الْأَيْدِي، وَتَنَالَهُ يدُ مَنْ أَرَادَهُ، فَيَصِيرَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ مُثْبَتًا يَمْلِكُهُ جَارِحُ وَيَكُونَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ آخِذِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِهَا غَيْرَ مُمْتَنِعٍ، فَلَوْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَهُ ثُمَّ مَرَقَ السَّهْمُ مِنْهُ، فَأَصَابَ صَيْدًا ثَانِيًا، وَمَرَقَ مِنَ الثَّانِي، فَأَصَابَ ثَالِثًا مَلَكَ مِنْهَا مَا أَثْبَتَهُ دُونَ مَا لَمْ يُثْبِتْهُ، سَوَاءٌ كَانَ أَوَّلًا أَوْ آخِرًا، فَإِنْ أَثْبَتَ جَمِيعَهَا مَلَكَهَا، وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْ شَيْئًا مِنْهَا لَمْ يَمْلِكْهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[(مسألة:)]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوْ رَمَاهُ الْأَوَّلُ بِهَذِهِ الْحَالِ فَقَتَلَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلثَّانِي لِأَنَّهُ صَارَ لَهُ دُونَهُ (قَالَ الْمُزَنِيُّ) رَحِمَهُ اللَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قيمته مجروحاً الجرحين الأولين في قياس قوله ". قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ رَمَى صَيْدًا فجرح، وَلَمْ يُثْبِتْهُ، وَرَمَى آخَرُ فَجَرَحَهُ وَأَثْبَتَهُ، وَعَادَ الْأَوَّلُ فَجَرَحَهُ، وَمَاتَ فَقَدْ صَارَ مِلْكًا لِلثَّانِي بِإِثْبَاتِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ ضَمَانُهُ لِلثَّانِي بِجِرَاحَتِهِ الثَّانِيةِ، تعليلاً بما قدمناه من الأصول المغررة، وَإِذَا صَارَ فِي ضَمَانِ الْأَوَّلِ لَمْ يَخْلُ حَالُ جِرَاحَتِهِ الثَّانِيةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أن تكون موحية في الحلق واللبة، فعليها أَرْشُهَا، وَمَا بَيْنَ قِيمَتِهِ حَيًّا مَجْرُوحًا، وَمَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَذْبُوحًا.

وَالْحَالُ الثَّانِيةُ: أَنْ تَكُونَ جراحته موحية فِي غَيْرِ الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ، فَعَلَيْهِ جَمِيعُ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا جُرْحَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ لَحْمَهُ.

وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أن تكون جراحة غير موحية، فهل يضمن جميع قيمته، أو يضمن قسط مِنْهَا؟ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ، فَإِنْ ضَمَّنَّاهُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ صَارَ كَالتَّوْجِيَةِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ حَيًّا مَجْرُوحًا جُرْحَيْنِ، فَإِنْ ضَمَّنَّاهُ قِسْطَهُ منها كانت الجراحة الأولة هَدَرًا؛ لِأَنَّهَا فِي حَالِ الِامْتِنَاعِ وَالْإِبَاحَةِ، وَهَلْ تُعْتَبَرُ فِي فَوَاتِ النَّفْسِ أَوْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِيهِ وَيُعْتَبَرُ فوات النفس بالجراحة الثانية والثالثة بخروج الأولة عَنْ ضَمَانِهِ فِي مِلْكٍ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ أَصَحُّ، أَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ فِي فَوَاتِ النَّفْسِ بِسِرَايَتِهَا إِلَى النَّفْسِ مَعَ غَيْرِهَا، وَإِنْ خَالَفَتْ حُكْمَ غَيْرِهَا، فَعَلَى هَذَا، هَلْ تَنْفَرِدُ بِحُكْمِهَا فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ أَوْ تَكُونُ مُشَارِكَةً لِلثَّانِيَةِ؟ لِأَنَّهَا مِنْ واحدٍ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهَا تَنْفَرِدُ بِحُكْمِهَا عَنِ الثَّالِثَةِ، وَإِنْ كَانَتَا مِنْ جَارِحٍ واحدٍ اعْتِبَارًا

<<  <  ج: ص:  >  >>