للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا انْدِرَتْ سِنُّ إِنْسَانٍ وَانْفَصَلَتْ مِنْ جَسَدِهِ فَذَلِكَ نَجِسٌ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا سَقَطَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ نَجِسٌ "

فَأَمَّا مَوْضِعُ الْعَظْمِ مِنْ جَسَدِهِ، وَمَوْضِعُ السِّنِّ مِنْ فِيهِ فَطَاهِرٌ بِإِجْمَاعٍ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَصِلَ عَظْمَهُ أَوْ يَرُدَّ سِنَّهُ لَمْ يَجُزْ إِلَّا بِعَظْمٍ طَاهِرٍ قَدْ أُخِذَ مِنْ مَأْكُولِ اللَّحْمِ بَعْدَ ذَكَاتِهِ، فَأَمَّا بِعَظْمِهِ النَّجِسِ، وَسِنِّهِ النَّجِسِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ تَرْكِ النَّجَاسَةِ فِي صَلَاتِهِ، فَإِنْ وَصَلَهُ بِعَظْمٍ نَجِسٍ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِفِعْلِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي حَالِهِ، فَإِنْ كَانَ يَأْمَنُ التَّلَفَ مِنْ قَلْعِهِ، أَوْ زَمَانِهِ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَائِهِ أُمِرَ بِقَلْعِهِ وَاجِبًا، فَإِنْ أَبَى أَجْبَرَهُ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ رَكِبَهُ اللَّحْمُ وَتَغْشَّاهُ أَمْ لَا

وَقَالَ أبو حنيفة، وَمَالِكٌ: إِنْ رَكِبَهُ اللَّحْمُ لَمْ يُقْلَعْ كَ " شَارِبِ الْخَمْرِ "، لَا يُؤْمَرُ بِاسْتِقَاءِ مَا شَرِبَهُ، وَهَذَا خَطَأٌ؛ بَلْ عَلَيْهِ قَلْعُهُ؛ لِأَنَّهُ حَامِلٌ لِنَجَاسَةٍ فِي غَيْرِ مَعْدِنِهَا لَيْسَ به ضرورة إلى تنقيتها، فوجب أن يلزمها إِزَالَتُهَا كَمَا كَانَتْ عَلَى ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ، وَفَارَقَ شَارِبَ الْخَمْرِ لِحُصُولِ الْخَمْرِ فِي مَعْدِنِ الْأَنْجَاسِ وَمَحَلِّ الْمُسْتَقْذَرَاتِ مَعَ اسْتِهْلَاكِهِ وَسُرْعَةِ زَوَالِهِ عَلَى أَنَّنَا نَأْمُرُهُ بِاسْتِقَاءِ الْخَمْرِ اسْتِحْبَابًا، هَذَا الْكَلَامُ فِيهِ إِذَا أَمْكَنَهُ فِعْلُهُ مِنْ غَيْرِ تَلَفٍ، أَوْ زَمَانَةٍ، فَأَمَّا إِنْ خَافَ مِنْ فِعْلِهِ تَلَفَ نَفْسِهِ، أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ أُقِرَّ عَلَى حَالِهِ، وَلَمْ يُؤْمَرْ بِقَلْعِهِ لِحِرَاسَةِ نَفْسِهِ الَّتِي هِيَ أَوْلَى مِنْ تَطْهِيرِ جَسَدِهِ؛ لِأَنَّ حِرَاسَةَ النَّفْسِ وَاجِبٌ وَاسْتِعْمَالَ النَّجَاسَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ جَائِزٌ

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يُجْبَرُ عَلَى قَلْعِهِ، وَإِنْ تَلِفَ مِنْ أَجْلِهِ؛ لِأَنَّ الْجَانِيَ بِفِعْلِ الْمَعَاصِي مُؤَاخَذٌ بِهَا وَإِنْ تَلِفَ، كَالْقَاتِلِ، وَالزَّانِي، وَهَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِدْ فِي الِابْتِدَاءِ عَظْمًا طَاهِرًا، وَخَافَ التَّلَفَ إِنْ لَمْ يَصِلْهُ بِعَظْمٍ نَجِسٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَصِلَهُ بِهِ فَوَجَبَ إِذَا خَافَ التَّلَفَ أَنْ يُقَرَّ عَلَى حَالِهِ لِحِرَاسَةِ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِعْلُ الزِّنَا وَقَتْلُ النُّفُوسِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُحَلَّانِ فِي ضَرُورَةٍ وَلَا غَيْرِهَا عَلَى أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا: أَنَّ حَدَّ الزِّنَا، وَالْقِصَاصِ رَدْعٌ لَهُ إِنْ عَاشَ وَزَجْرٌ لِغَيْرِهِ إِنْ مَاتَ وَقَلَعَ مَا وَصَلَ مِنْ نَجَاسَةٍ لِأَجْلِ صَلَاتِهِ وَتَبَلُّغِهِ تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ فَكَانَ تَرْكُهُ حَيًّا يُؤَدِّي الصَّلَاةَ حَسَبَ إِمْكَانِهِ أَوْلَى

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَرْكِ ذَلِكَ إِذَا خَافَ التَّلَفَ، وَقَلَعَهُ إِذَا أَمِنَ مِنَ التَّلَفِ فَلَمْ يَفْعَلْهُ حَتَّى مَاتَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: " صَارَ مَيِّتًا كُلُّهُ وَاللَّهُ حَسْبُهُ " يَعْنِي: يُحَاسِبُهُ عَلَى مَا ضَيَّعَ مِنْ صَلَوَاتِهِ بِالنَّجَاسَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْلَعَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ لِسُقُوطِ فَرْضِ الصَّلَاةِ، وَزَوَالِ التَّكْلِيفِ لِيَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى بِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ فَأَمَّا مَنْ تَحَرَّكَتْ أَسْنَانُهُ وَلَمْ تُفَارِقْ مَوْضِعَهَا، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقِرَّهَا عَلَى حَالِهَا أَوْ يَشُدَّهَا بِحَسَبِ إِمْكَانِهِ، وَيَرْبِطَهَا بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ رَبَطَ أسنانه بالذهب

<<  <  ج: ص:  >  >>