للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: " مَا فَرَى الْأَوْدَاجَ، فَكُلُوا " فَهُوَ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلِ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ فَرْيَ الْأَوْدَاجِ مَعَ بَقَاءِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ غَيْرُ مُبِيحٍ، فَصَارَ ظَاهِرُهُ مَتْرُوكًا.

فَإِنْ قِيلَ: عَدَمُ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِهِ فِي عُمُومِ الشَّرْطِ.

قِيلَ: يَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْكَمَالِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْإِجْزَاءِ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ: إِنَّهُ خُصَّ بِمَخْرَجِ الدَّمِ، فَهُوَ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّكَاةِ خُرُوجُ الرُّوحِ وَخُرُوجُهَا بِانْقِطَاعِ النَّفْسِ مِنَ الْحُلْقُومِ وَخُرُوجُ الدَّمِ تَابِعٌ.

(فَصْلٌ:)

فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ إِجْزَاءَ الذَّكَاةِ يَكُونُ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ لَمْ تَصِحَّ الذَّكَاةُ بِقَطْعِ أَحَدِهِمَا، وَوَهِمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَأَحْسَبُهُ أَبَا سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيَّ فَأَبَاحَ الذَّكَاةَ بِقَطْعِ أَحَدِهِمَا لِفَقْدِ الْحَيَاةِ بِقَطْعِهِ، وَهَذَا زَلَلٌ مِنْهُ خَالَفَ بِهِ نَصَّ الشَّافِعِيِّ، وَمَعْنَى الذَّكَاةِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا مَا عَجَّلَ التَّوْجِيَةَ مِنْ غَيْرِ تَعْذِيبٍ وَفِي قَطْعِ أَحَدِهِمَا إِبْطَالٌ لِلتَّوْجِيَةِ وَتَعْذِيبٌ لِلنَّفْسِ فَلَمْ تَصِحَّ بِهِ الذَّكَاةُ.

وَأَمَّا إِذَا قَطَعَ بَعْضَ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ فَإِنْ قَطَعَ أَقَلَّهُمَا لَمْ تَحِلَّ الذَّكَاةُ وَإِنْ قَطَعَ أَكْثَرَهُمَا فَفِي إِحْلَالِهَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهَا لَا تَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُقْتَصِرًا عَلَى أَقَلِّ الْأَرْبَعَةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا تَحِلُّ؛ لِأَنَّ قَطْعَ أَكْثَرِهَا يَقُومُ فِي فَوَاتِ الْحَيَاةِ مَقَامَ جَمِيعِهَا فَأَمَّا إِنْ قَطَعَ الْوَدَجَيْنِ دُونَ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ لَمْ تَحِلَّ وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " نَهَى عَنْ شَرِيطَةِ الشَّيْطَانِ " وَهُوَ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَطْعِ الْوَدَجَيْنِ فِي انْهِمَارِ الدَّمِ مَأْخُوذٌ مِنْ شرطه الحجام.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: " وَمَوْضِعُ النَّحْرِ فِي الِاخْتِيَارِ فِي السُّنَّةِ فِي اللَّبَّةِ وَمَوْضِعُ الذَّبْحِ فِي الِاخْتِيَارِ فِي السُّنَّةِ أَسْفَلُ مَجَامِعِ اللَّحْيَيْنِ فَإِذَا نُحِرَتْ بقرةٌ أَوْ ذُبِحَ بعيرٌ فجائزٌ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْإِبِلِ النَّحْرُ فِي الثُّغْرَةِ، وَهُوَ عِنْدَ اللَّبَّةِ فِي مَوْضِعِ الصَّدْرِ؛ لِأَنَّهُ أَرَقُّ وأوحى، وَالسُّنَّةُ فِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذَّبْحُ فِي أَسْفَلِ مجامع اللحيين، وأعلى العنق؛ لأنه أرق وأوحى فَيَكُونُ النَّحْرُ قَطْعَ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ مِنْ أَسْفَلِ الْعُنُقِ وَالذَّبْحُ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ مِنْ أَعْلَى الْعُنُقِ، فَصَارَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ مُعْتَبَرًا فِيهِمَا، وَإِنِ اخْتَلَفَ مَحَلُّ قَطْعِهِمَا بِالسُّنَّةِ وَتَعْجِيلِ التَّوْجِيَةِ، فَإِنْ خَالَفَ فَذَبَحَ مَا يُنْحَرُ مِنَ الْإِبِلِ، وَنَحَرَ مَا يُذْبَحُ مِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ أَجْزَأَ، وأساء.

<<  <  ج: ص:  >  >>